مصطفى، ومحمود، ظاهرتان فنيتان يتشابهان في كثير من الأشياء، ويختلفان كذلك في كثير منها.. مات الاثنان في خارج السودان، وفي عمر متقارب (٤٥ إلى ٤٦ عاماً)، وفي شهر يناير مع فارق يوم واحد.ومثلت أنباء رحيل الاثنين صدمةً لجمهورهما، برغم تدهور حالتهما الصحية قبل الوفاة.
كان مطار الخرطوم مسرحاً لمعارك بين جمهور الفنانين والسلطة الإنقاذية، ناكف جمهور مصطفى، في عام ١٩٩٦ السلطة ممثلة في وزير الإعلام حينها عبد الباسط سبدرات، الذي كان يعتزم تغيير مسار الجثمان لتخفيف الضغط الجماهيري، مع أن السلطة ضللت الجمهور في موعد وصول الجثمان في وقت لم تحدث فيه ثورة الاتصالات من هواتف نقالة ووسائط تواصل اجتماعي على عكس وقت وفاة محمود، الذي احتل جمهوره مدرجات المطار مما تسبب في إلغاء عدد من الرحلات الجوية.
يشترك جمهور الفنانين في الموقف المعارض، العدائي، المتشكك في سلوك السلطة، لمواقف الفنانين السياسية والاجتماعية.
كان مصطفى فناناً ( ثورياً مسيساً) بينما كان محمود (متمردا) اجتماعياً.
استقبل جمهور مصطفى رحيل معشوقهم بالغناء (سافر مطارات الوداع ضجت، رحل صوت المغني حزين)، بينما ودع جمهور محمود معشوقهم بالغناء (رحل الغمام، سكت الرباب، الوداع يا نشوة الروح).
مصطفى، أو أبو النيل مدرسة أضاف للغناء وترك بصمات خاصة به من حيث انتقاء المفردات، الأداء الدرامي عبر تشخيص الكلمات وتجريد الألحان وتلوينها.
أما محمود، فهو (معلم) يذكرك بالشباب، النشط، المجتهد، الذكي، الذي تعلم الحرفة باجتهاد ومثابرة ونبوغ، بل
فاق كثيراً من الأكاديميبن، وظل متقدماً عليهم، ومفضلاً لدى الجمهور لما يتمتع به من مهارات عالية وحرفية رفيعة.
يشترك الاثنان في ملكات التطريب العالية، والقدرة على توظيف إمكاناتهما الصوتية في عملية الانتقال علواً وهبوطاً، والتدرج من منطقة صوتية إلى أخرى، مستفيدين من خامات صوتية بلورية مشعة، ومساحة صوتية كبيرة تتمدد غلظةً حادة وحدةً عالية (هنا نحتاج للتحليل العلمي ومصطلح الموسيقى والطبقات الصوتية)، وبينما يفيض صوت مصطفى بالأشجان والأحزان، يتسم صوت محمود بالقوة والثبات نسبياً.
يشتهر الفنانان اجتماعياً بالتدفق الإنساني، والاهتمام بالشرائح الفقيرة والمهمشة، لكن يختلفان في المظهر، حيث يبدو مصطفى أكثر (محافظةً ) في الزي (بدلة في غالب الأحيان، جلابية وعمة) بينما عرف محمود بحرية اللبس والمظهر وتغيير تصفيف الشعر باستمرار.
بدأت قاعدة مصطفى الجماهيرية بجمهور صفوي ونخبوي، بغلب عليه الانتماء إلى اليسار السياسي، أو الديموقراطي، ثم طلاب وخريجو الجامعات، لتتسع الدائرة باستمرار، حتى شملت كل محبي الغناء الجميل، فيما بدأ محمود ببعض شباب الجامعات غير المسيَّس، وتتسع الدائرة لتشمل الشباب من الجنسين ومن كل المهن والشرائح الاجتماعية.
يتصف ( قلب) جمهور مصطفى بالصفوية حد التعالي أحياناً، يظهر ذلك في الموقف الحاد من كل من يحاول الغناء لمصطفى، أما (قلب) جمهور محمود يتصف بالعناد حد (الدوغما)، يمكن ملاحظة ذلك من خلال التعليقات السالبة ضد كل من يقلد محمود، مع أن محمود يغلب على غنائه ترديد أغنيات الآخرين، حتى ظن جمهوره أنه أغنياته مثل ( الفات زمان، الوسيم) أغنيات الهادي الجبل وعدد من أغاني الحقيبة.