هيثم كابو يكتب: عزيزي حودا: مهما ضاقت الأحوال أكيد قلم الظلم مكسور
* إن كانت (الأسطورة) تعني الخُرافة والحكاية التي لا أصل لها، فإن صاحب هذه الرحلة الممتدة أعاد تعريف المصطلحات من جديد، وأثبت أن الأساطير يمكن أن تحيأ بين الناس تتنفس الإبداع على خشبات المسارح وفي الحفلات والأستوديوهات.
* نبوغه الفني من الثوابت الفلكية التي لا جدال عليها، وعلو كعبه الغنائي وتميزه الأدائي لا يستطيع أحد إنكاره.
* أثار ظهوره في مطلع تسعينيات القرن المنصرم عاصفة من الجدل وأحدث انقلاباً فنياً كاملاً بعد التفاف الشباب حوله بصورة مدهشة وترديدهم لأغنياته ومطاردتهم لحفلاته.
* تفوَّق على أنداده، وخلخل أوتاد عرش من سبقوه، وأعلن الشيوخ انحيازهم السافر له، الأمر الذي دفع إعلامياً بقامة أستاذ الأجيال الراحل المقيم محمود أبو العزائم ليعلق على ترديد محمود عبد العزيز للأغنيات المسموعة بقوله :
“سمح الغُنا في خشم محمود”..!!
* ما أن يتغنى بأغنية مسموعة حتى تصبح (أغنية الموسم) وترددها كل الشفاه، أما أغنياته الخاصة فيحفظها جمهوره عن ظهر قلب ويصدح بها في كل مكان.
* حطم الأرقام القياسية في أيام مملكة الكاسيت فكانت ألبوماته الغنائية الأعلى توزيعاً ومبيعاً، والكل يذكر نجاح : (سكت الرباب، نور العيون، ما تشيلي هم، برتاح ليك، شايل جراح، ساب البلد، اكتبي لي، خوف الوجع، وغيرها من الألبومات).
* 125 أغنية خاصة بمحمود ضمتها ألبوماته الغنائية غير تلك التي جاءت بعد زوال عهد سيادة الكاسيت، زائداً الأغاني التي قدَّمها في مسرحية (تاجوج في الخرطوم) مع قاسم أبوزيد، ولا يمكن أن ينسى أهل الفن تغنيه بشعار مسلسل (أقمار الضواحي) التي أصبحت أغنية يطالب بها الجمهور في الحفلات.
* يعتبر أيقونة الغناء السوداني محمود عبد العزيز الذي تحل علينا اليوم ذكرى رحيله العاشرة (أسطورة حقيقية)؛ وظاهرة فنية مثيرة للجدل والتأمل وداعية لضرورة الوقفة والقراءة والانتباهة، فالفتى يظل صاحب أعرض شرفة جماهيرية أطل عبرها مطرب شاب في الخمسين عاماً الماضية.
* الشيء الذي يدعو للبحث والنقاش وإيجاد الإجابات العاجلة كيف استطاع محمود أن يظل (فنان الشباك) الأول بالبلاد منذ ظهوره وحتى رحيله عن الدنيا .. هل هناك سر ما وراء طوفان المحبة الجارف والكاريزما الطاغية أم تكمن فقط معادلة النبوغ الغنائي في تجربة هذا الفنان الاستثنائي؟
* السؤال الأهم
كيف استطاع (الحوت) اقتحام أفئدة الشباب والحظوة بكل هذا الحب الدافق حياً وميتاً ؟ وما سر هذا الإقبال الكبير على حضور احتفالات التأبين التي تقام لمحمود داخل وخارج السودان في ذكرى رحيله، وأعداد كبيرة من (الحواتة) يتسابقون للمشاركة وكأنما محمود حي يتأهب لاعتلاء خشبة المسرح؟ ما معنى هذه الأفواج التي تتقاطر في السابع عشر من يناير، لإحياء ذكرى الرحيل، لا سيما وأنها فاقت كل التصورات وفاضت بها جنبات مسارح الأندية ومدرجات الإستادات على اتساع سعتها؟
* جميعها تساؤلات موضوعية إجاباتها التفصيلية تحتاج لمقالات عديدة، ولكن العنوان الأبرز يلخصه عميق شكرنا للحواتة وكل الذين أكدوا (بيان بالحشود) أن الفن الخالد لا يموت .
* شكراً نبيلاً لمحبي (الحوت) الذين أنصفوا الذائقة الشبابية وأكدوا أن حصافة الأذن السودانية لا تزال بخير .. شكرًا لمواقفهم الإنسانية ولانحيازهم للوطن والقضية .. شكراً لأصواتهم المعطونة بالحق وحناجرهم الصادحة في المواكب .. وعميق امتنانا لتلك الحشود الخرافية والحب الكبير الذي نشاهده في كل تأبين للراحل المقيم محمود عبد العزيز لتتجلى معاني الإعزاز والتقدير؛ فالحواتة ريحانة وفاء هذا الجيل وظلوا على الدوام يرفعون لافتات العرفان النبيل .
نفس أخير
* وخلف قاسم أبوزيد نردد:
يصحو على حلم راجع
يكتبو قي الفضاء الشاسع
يحلمو بوطن واسع
وطن واحد وطن شاسع وطن واسع ….
لا محزون ولا مهموم .. لا مسجون ولا محموم
ومهما ضاقت الأحوال أكيد قلم الظلم مكسور.