عذراً أبي
*قبل خمسة أعوام من الآن خضع والدنا لعملية بتر لأصبع قدمه في مستشفى الصفاء بالطائف نتيجة جرح بسيط وهو المصاب بداء السكر.
*عقب عملية البتر تلك توجهنا للقاهرة وأجرينا هناك عمليتين لذات الرِّجِل، الأولى منهما كانت قسطرة طرفية والثانية نظافة للرجل، وأذكر جيداً أن كلفة العملية في تلك الفترة كانت أقل بكثير من تكلفة إجرائها في الخرطوم.
*غيرنا والكثيرون لا تفرق معهم الكلفة المالية كثيراً إن وجدت الصحة والعافية، وهي الأهم للجميع.
*قبل أيام قليلة تعرض والدنا لجرح آخر في قدمه وشرعنا في إجراءات السفر لقاهرة المعز، ولكن الأقدار كانت تخبئ شيئاً آخر، حيث بدأ الجرح في الالتهاب، ومساء الخميس وهو في غيار الجرح أخبرنا الممرض أن هناك تسمماً بدأ في الرجل وإن تأخرت أربع وعشرين ساعة أخرى سينتشر التسمم ويحدث ما لا يحمد عقباه.
*اتصلنا بأيمن وهو ممرض نثق في قدراته وشطارته التى توازي براعة الأطباء اتصل لنا بالأخصائي الذي يثق هو في مقدراته وتوجهنا إليه أكد بعد الفحص ما ذهب إليه أيمن وكان قراره بتر الرجل حفاظاً على صحته.
*بترت رجل والدي التي طالما وصل بها الأرحام وساعد بها الجيران وسند بها الأيتام، وحزنّا لهذا البتر وسقطت دموع الأحبة والأهل.
*إنها أقدار الله التى أخرت إجراءات سفرنا لنفاذ قدر البتر ولا يسعنا إلا أن نقول “قدر الله وما شاء فعل”. عذراً أبي حل مساء الجمعة ولم تجد ساقك شامخة كما كانت في السابق.
*ولكن السؤال الذي يدور بأذهان الملايين من أهل السودان، وهو لماذا يفشل أطباء السودان في العلاج هذا دون اللجوء إلى البتر؟ ولماذا يقف أهل “بزنس الطب” عن استيراد الأجهزة الطبية الحديثة لجودة التشخيص، ولماذا لا يستقطب ” ديناصورات الدواء” العلاج الناجع لإيقاف تمدد جروح السكر؟ وقبل كل هذا لماذا تقف الدولة عاجزة عن دعم المستشفيات الحكومية لتقديم العلاج للبسطاء الذين ليس بمقدورهم تحمل كلفة علاج القاهرة الناجع؟.
*الكثير من الأسئلة تدور في الأذهان، وقد تكون الإجابة حاضرة، ولكن سلطان السلطة يرفض أن يجعلها قيد التنفيذ.
*العشرات بل المئات من مرضى السكر وصل الأطباء في تشخيصهم هنا للبتر، وبعضهم حينما يتوجه شمالاً حيث أرض الفراعنة يعود سليماً ومعافى من البتر.
*أذكر جيداً كلمات دكتور قرشي، وهو الطبيب المصري صاحب اللحية البيضاء والذي عالج والدنا في المرة السابقة، أذكر كلماته التي قالها لنا ونحن في بدايات العلاج بأن البتر ليس هو العلاج كما يقول الكثيرون، وأكد لنا ذلك بارتفاع نسبة الإصابة بهذا المرض في دول الخليج وغيرها من الدول العربية ولكن لا نجد بتراً للأرجل كما يحدث في السودان.
*السودان الذي يعرف عربياً وأفريقياً بأنه الدولة الأغنى موارد يعيش أهله في ضيق وفقر، ويتمتع بخيرها بعض الفاسدين، والسودان الذي يصدر أفضل الكوادر الطبية للعالم أجمع يعاني أهله من العلاج الناجع، والسودان الذي به العقول النيرة التي حولت مدن بعض الدول العربية من قرى صغيرة وبوادٍ فقيرة إلى مدن رائعة وبعضها ينافس المدن الأوربية.
*من قبل قال لنا رئيس الجالية السودانية بالقاهرة د. حسين مقترحاً وطلب منا عكسه لحكام السودان حتى يجد التنفيذ وهو ضرورة إنشاء بنك الأطباء يقدم تمويلاً لمجموعات منهم لتشييد مستشفيات متطورة تسهم في علاج أهل هذا البلد، على أن تخصم أموال هذا التمويل بالأقساط.
*الفكرة ممتازة، ولكن من ينفذها بإصدار قرار شجاع يكتبه له التاريخ، د. حسين حكى لنا الكثير من القصص المأساوية للمرضى الذين يأتون للعلاج في القاهرة بعد أن يفشلوا في إيجاده بالخرطوم.
*أحد الأصدقاء أقسم لي أنه شاهد صاحب مستوصف شهير بالخرطوم وهو يجري فحوصات شخصية له بإحدى مستشفيات الدول الأوربية، مرضى السودان يدفعون له الملايين في انتظار العلاج الناجع.