21 يناير 2023
كَتَبَ أستاذ أكاديمي ليبي، قائلاً أتيت في صباح أحد الأيام بعامل نظافة أفريقي لينظِّف لي منزلي، فاتّضح لي أنه أستاذٌ مساعدٌ في الجامعة بالعاصمة الكونغولية كينشاسا، وأكمل شغله معي وفي طريق عودتي به إلى جزيرة الدوران التي يجلس فيها العَمَالة الوافدة، بدأنا نتحدّث، وسألته عن الاغتصاب في الكونغو، فقال: في بلدنا مَن يملك الإعلام العالمي هو مَن يقتل البشر!!!
بلادي الكونغو مازالت مُستعمرة بلجيكية في وسط أفريقيا، وبلادي تمتلك هبات السماء من غابات وذهب وماس ومعادن وثروات تدخل في كل الصناعات من شاشات هاتفك المحمول إلى أسلاك الطائرات في القوات الجوية التي تضرب الآن في بلدكم ليبيا، ثُمّ سألني هل تعرف أن تسعة ملايين إنسان قُتلوا ببلادي في الأربعين سنة الأخيرة؟ حين أجبته بالنفي، قال مَن يملك الإعلام العالمي هو مَن يقتل البشر هناك، ولهذا لن تسمع عن وطني الكونغو.
ثُمّ سألته عن دور بلجيكا في بلاده؟ فقال لي ليست هناك دولة واحدة تُسيطر على وطني الكونغو، العالم كله يُسيطر علينا، وكل دولة حسب إمكانياتها، أمريكا بالطبع لها حِصّة الأسد، لأنّها دولة عُظمى، وكذلك فرنسا وبريطانيا والصين وبلجيكا، كلهم يستثمرون في نهب ثرواتنا وقتلنا وإذلالنا، لأنّه لم يعد لدينا حكومة مركزية، ولهذا لن يأتي إلينا دُعاة السلام ولا حقوق الإنسان رغم اغتصاب نصف مليون امرأة، أصبح عندنا الرجل الذي تغتصب زوجته، لا يستطيع أن ينظر إلى وجهها خجلاً من عدم قُدرته على حمايتها، وهي لن تستطيع أن تنظر إليه خجلاً من وعدها له بالوفاء!!!
وقال لي صدِّقني إنّهم لا يغتصبون النساء بسبب رغبة جنسية، بل لأنّ الاغتصاب أفضل سلاح لإحداث شَرْخٍ بين الأهل، وهو الوسيلة الأنجح للتشتُّت الأسري!!!
سألته ماذا جاء بك إلى ليبيا؟ فقال مليشياتهم اغتصبوا زوجتي أمامي، ثم قتلوا أبي وبعدها رموا أطفالي في بئر مزرعتي وربطوني عند حافة هذا البئر لأيام حتى يجبروني على سماع صراخهم، وأنا أحاول أن اطمئنهم، ولكنهم سكتوا عن الحياة واحداً تلو الآخر، كم تمنّيت أن استمر في سماع هذا الصراخ لسنواتٍ حتى يأتي مَن ينقذهم، ولكن كلهم سكتوا وسكت أنا أيضاً!!! فقال حين يكون هنالك عددٌ كبيرٌ من المليشيات والشركات والدول والسياسيين الذين يريدون حصة منك ومن أرضك وثرواتك (كما يحدث في بلادكم ليبيا الآن)، لن تستطيع أبداً أن تبقى دولة واحدة بقانون واحد ومُؤسّسات قضائية واحدة، لأن الدولة الواحدة ستبرم عُقوداً مع دول وشركات أخرى تتنازل فيها عن جُزءٍ من ثرواتها لقاء حمايتها وحماية أمنها، هناك مئات الجهات التي تُريد الذهب أو الماس من الكونغو، كل واحدة من هذه الدول تملك عصابة ومليشيات، والسَّبب نحنُ الذين تحدث الكابوس المعتم في بلادنا التي تشبه الجنة.
ودّعته وشكرته بعد أن أوصلته، عَادَ للجلوس مع رفاقه في انتظار لقمة عيش جديدة مع زبون آخر.
فكّرت في بلادنا العربية ليبيا وسوريا والعراق واليمن والسودان، كيف أنها تتشظّى وتتشرذم، لأنّ كل جهة تريد حِصّة من ثرواتها، ولأن مَن يصنع المال في مكان ما يصنع معه تشرُّداً ودماراً وجُمُوداً ومشاكل في مكان آخر!!!
تذكّرت شيئاً كنت أفكِّر فيه منذ أسابيع، كيف إننا انقسمنا إلى أحزاب وطوائف ومذاهب ولم يكن الوطن همّنا الأول؟ بكيت من الألم على ذلك الإنسان الكونغولي الجميل بأن يسمع صراخ أطفاله من جديد، وضحكت بسخرية، لأنني عرفت كم نحن ضحايا وحنقى!!!
هذا العامل الأفريقي، جعلني أُعيد ترتيب مفاهيم حياتي، وأنا أقول هذا ما يحدث في بلدي، فهل يعي أهل بلدي ذلك!؟!
(لا رحم الله مَن يبيع بلده وعرضه لأجل حفنة مال أو جاه أو منصب)!!!
حقيقةٌ مؤلمة.. إنّ العالم الغربي والذي يدّعي الحضارة والتقدُّم، يسرقنا ويقتلنا ويستعبدنا وينهب ثرواتنا عبر أبنائنا العُملاء.. إنّها مأساة تتكرّر في أفريقيا وبعض آسيا وأمريكا اللاتينية!!!
هذا المشهد الآن نراه قريباً في السودان بعد أن يتمكّن من بلادنا الاستعمار الجديد عبر بعض أبنائنا باسم الحرية والمدنية والديمقراطية، بعد أن نضبت مواردهم!!!
إنّها الحقيقة المُرّة والمُؤلمة، جعلنا لهذا الاستعمار وكلاءً له من بني جلدتنا يسوقونا إلى المقاصل باسم التقدُّم والحَضَارَة.. انتبهوا يا أبناء السُّودان قبل أن يدرككم الهلاك.. (اتّعظوا من هذا العالم الكونغولي الذي صَارَ عامل نظافة في بلدٍ آخر)..!!
تحياتي،،،