19 يناير 2023
في الشهر الماضي، رحب أعضاء مجلس الأمن الدولي بتوقيع الاتفاق السياسي الإطاري في السودان، مؤكدين أن هذه كانت خطوة أساسية نحو تشكيل حكومة بقيادة مدنية وتحديد الترتيبات الدستورية لتوجيه السودان خلال فترة انتقالية تتوّج بالانتخابات، وكما رحب يومها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتوقيع اتفاق إطاري بين القِوى السياسية المدنية والجيش في السودان، وبالتالي هذا بمثابة اعتراف دولي بالاتفاق وإن الأمر أصبح واقعاً رغم تشويش إعلام الفلول وغرف شائعاته، غير أننا في هذا الزخم نريد عملا ملموساً لإعلام القائمين على الاتفاق، حيث تمت هزيمتهم على مستوى الميديا من قبل إعلام الثورة المضادة الذي يصور الاتفاق بأنه ضد الدين والمبادئ والقيم والأعراف ويُروِّج لخطاب الكراهية واستهداف الفاعلين في التسوية السياسية، والآن أصبحت وسائل الإعلام مصدراً رئيسياً يلجأ إليها الناس في الحصول على معلوماتهم عن كافة القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية بسبب فاعليتها الاجتماعية، وانتشارها الواسع، وقدرتها على الوصول لاي بقعة ومخاطبة القسم الأعظم من التكوين المجتمعي، الذي يمتلك الإمكانية على التأثير الذي لا يأخذ صورة مباشرة، وإنما يقوم بتشكيل الوعي الاجتماعي بصورة غير مباشرة، وبصورة متسرعة غير ملحوظة دون سابق إنذار، وقد نجح إعلام الثورة المضادة كثيراً.
واليوم قلما تجد أنصار الإطاري يدافعون عنه سواء في القنوات الفضائية أو الأسافير والصحف المحلية، فإذا كان بالنسبة لنا معلوماً، لماذا لا يتبنى إعلام الجيش، الإطاري الذي وقّعه قائده العام. فغير المعلوم لنا لماذا يغيب إعلام الإطاري عن الساحة، هل يفتقر للكادر والإمكانيات، أم حجته غير مقنعة والمواطن المتلقي كالعادة متعطشٌ للمعلومات والأخبار، إلا أنه لا يجدها.
وأخشى في ظل عدم فاعلية إعلام الثورة أن يصبح إعلام الفلول عنصرٌ مؤثرٌ في حياة المجتمعات باعتباره الناشر، والمُروِّج الأساسي للفكر والثقافة، ويسهم بفاعلية في عملية تشكيل الوعي الاجتماعي للشباب، إلى جانب القِوى الحيّة والمؤسسات التعليمية والمؤسسات المدنية، وحتى تلفزيون الدولة غياب،
فهو الآن لم يعد وسيلة للترفيه واللهو وقضاء الوقت فقط، بل هو وسيلة لا غنىً عنها تستخدم لإيصال ما يريد المرسل إيصاله للجماهير ذات الثقافة المحدودة أو المنعدمة من قيم ثقافية وسلوكية ومفاهيم جديدة سواء من خلال الترفيه أو من خلال برامج جادّة أو دراما أو أناس يتكلمون عن الاتفاق في حلقات بأسلوب يسهل عليهم متابعته، فالتلفزيون من أكثر أدوات التثقيف فعالية. ومؤخراً، تمّ إعفاء المدير العام، وتمّت ترقية الدكتور يحيى حماد فضل الله للدرجة الأولى القيادية، وهو رجل صاحب خبرة وتجربة، نأمل أن يسهم في تغيير برامج التلفزيون.
عموماً، إعلام الثورة يحتاج إلى تجويد وخبراء وليس إلى ناشطين وشُلليات.