– مدير مرحلة الأساس محلية بحري: العقاب مرفوض إلا إذا..
– د. توفيق الضو: لا بد من علاج لهذه المشكلة المستعصية
– د. نهى عبد السلام: نحتاج تفعيل دور الأسرة والمدرسة لفائدة الطلاب
– د. محمد الأمين عثمان: احذِّر المعلمين من المبالغة في العقاب
الخرطوم- معتز عبد القيوم
ما زال العقاب المدرسي على الطلاب من قبل المعلمين محل دراسة مستمرة، وذلك لأسباب مختلفة يراها المعلمون والعلماء التربويون باعتبار أنها يمكن أن تكون أحد الحلول الناجعة في زيادة تحصيل الطلاب، رغم أن البعض يرى ضرورة تجريم من يقومون بذلك نسبة إلى شواهد كثيرة شهدتها الساحة في البلاد وشكلت هاجساً ومصدر قلق لأولياء الأمور في أولها الأذى النفسي والبدني والعاهات التي تنتج من جراء هذا العقاب.
إدارة التعليم الخاص ببحري بالتعاون مع جامعة بحري وبإشراف شعبة الإشراف التربوي بمدرسة الأضواء الخاصة في الكدرو جنوب، نظمَّوا ورشة تحت عنوان “العقاب المدرسي الأساليب والآثار” وخرجت الورشة العملية بتوصيات كثيرة رفعت لوزارة التربية والتعليم للعمل بها في تربية النشء والطلاب، بعد أن أقرت الورشة عدم استنادها على العقاب أيٍّ كان نوعه وما يترتب عليه من مخاطر على الطلاب، وأن كان لابد منه فعلى المعلم أن يلتزم بقوانينه وتشريعاته التي أقرتها الوزارة والقوانين التي تحكم الطفل.
العقوبة بعيداً عن الطلاب والتنفيذ
كشف خالد سعيد سيد، مدير إدارة التعليم الخاص ببحري تمسُّكه بعدم أخذ أمر العقاب كوسيلة إلى تسوية سلوك الطلاب والعمل على تربيتهم وتقويم سلوكهم في عملية التعليم والتربية، مشيراً إلى أن العقاب الذي يستند إليه جميع المعلمين في المدارس الحكومية والخاصة حتى الآن له آثار وسلبيات كثيرة على الطلاب وأن اختلف المعلمون في كيفيته والوصول إليه أيٍّ كان شكله بدنياً أو لفظياً، وهذا العقاب ينعكس على الطلاب وسلوكياتهم في المجتمع الذي ينتظر منهم الكثير، وأشار خالد سعيد، إلى أن معظم المدارس الخاصة التي تقع تحت إدارتهم في بحري وضعت أمر العقاب بعيداً عن متناول يدها لأجل شئ واحد هو التربية والتعليم بعيداً عن استخدام العقاب كطريق يؤدي إلى التقويم، وتمنى سعيد في مخاطبته الورشة التي نظمتها مدارس الأضواء الخاصة بالكدرو جنوب وشهدها عدد من مدارس بحري في التعليم الخاص وتناولت ثلاث أوراق قدِّمها معلمون وأساتذه وتربويون إلى جانب مشاركة فاعلة من جامعة بحري ممثلة في د.توفيق الضو جاه النبي، عميد كلية التربية والذي تحدث في ورقته المقدَّمة في الورشة عن أساليب العقاب في مجال التربية والتعليم، ود.محمد الأمين عثمان، المحاضر بجامعة أم درمان الإسلامية الذي تناول الثواب والعقاب وأثرهما في التعلم، ود.نهي عبد السلام، التربوي والباحث الاجتماعي التي تناولت في ورقتها العقاب المدرسي وأثره على التحصيل الدراسي، وعقَّب عليها عدد من المعلمين والتربويين خرجت بتوصيات عديده سترفع إلى وزارة التربية والتعليم الاتحادية تمهيداً للعمل بها ووضعها محل الإجراء والتنفيذ.
استبيان ودراسة مثيران للجدل
طالب د.توفيق الضو، عميد كلية التربية بجامعة بحري، فقط بالاهتمام بتربية النشء لأنه يأتي من الأهمية بمكان، وأشار إلى أن هذا يبدأ من أدنى الهرم وهم الطلاب في المدارس عموماً، وقد يحضرنا هنا العقاب وأساليبه وهي أسباب عدة يأتي منها على سبيل الذكر ليس الحصر (جلد) الطالب بسبب الاستهتار ـ الاستخفاف ـ عدم الاهتمام ـ الاستهزاء ـ السب أو الشتم ـ فكل هذه وغيرها تستدعي المعلم لمعاقبة الطلاب لحثهم على الاهتمام بعملية التعليم والتعلم والتحصيل.
والعقاب له عدة أساليب وأشكال يقوم بها المعلمون من بينها (الجلد) الوقوف على الشمس، وعدد آخر من العقوبة المتفق عليها، وكشف د.الضو، أنه قام بوضع دراسة واستبيان حول عقوبة (الجلد) وتأثيرها سلباً على الطلاب، وكشفت الدراسة المثير والكثير خاصة فيما يلي تهرُّب الطلاب من العلم بشكل واضح أكدته الدراسة، ومن هنا لابد من علاج لهذه المشكلة المستعصية التي تضرب بأطنابها في المدارس الحكومية والمتخصصة وهي قضية جديرة بالبحث والتناول، وواصل د.الضو في حديثه إلى أن هناك تساؤلاً واضحاً لابد أن نجيب عليه هو ما الأساليب المثلى للعقاب في مجال التربية؟ ومنه أسئلة كثيرة متفرِّعة، ولكن أؤكد أن العقاب لم يعد هو الأسلوب الوحيد لعلاج الأخطاء،لأن كثيراً من المعلمين لا يعون شروط وضوابط العقاب البدني، وهناك بعضهم يستخدم أساليب بديلة عنه، وبعضهم يستخدم عقوبة أكبر من الخطأ المرتكب، كما أن عدداً من المعلمين يستخدمون الطالب لإطفاء غضبهم وإراحة نفسياتهم والخروج مما يعانون منه في المجتمع،وأضاف د.الضو، أن من عيب العقوبة بأي شكل من الأشكال يحدث صراع بين المعالج والمتعالج بسبب رفض الأخير تكرار السلوك، وربما يوفر هذا فرصة لسلوك غير مقبول له، ولكن على المعلمين أن يعرفوا متى يستخدمون العقاب ومتى يتركونه خاصة عندما يصل الأمر إلى عدم وجود نتاج يعزز عملية الإمحاء والتجاهل في تقويم سلوك الطلاب، هنا لابد من عقاب وأن كان بـ(الجلد) مع وجود أغراض وأسباب وشروط لاستخدام العقاب بعد تحديد سلوكيات الطلاب المعاقبين أنفسهم،لأن له إيجابيات كثيرة يجعل المعاقب يميِّز بين السلوك المرفوض والمرغوب فيه، كما يقلِّل من السلوك غير المقبول أو الشاذ إلى جانب التقليل من عملية التقليد لأي سلوك نشاذ،ومن بين هذه الإيجابيات تظهر السلبيات التي تتضح في الطلاب وتهرُّبهم من العلم واللجوء إلى الحيل والكذب وانفعالات نفسية أخرى منها الصراخ والبكاء، كما يؤثر في العلاقات الاجتماعية بين الطرفين وتظهر آثار جسدية على المعاقب، يؤدي إلى الميل وهذا يبدأ من الأسرة، لأن الأب أو الأم العدوانيين في السلوك، ينعكس ذلك على الأبناء ولا يمكن للمعلمين في المدرسة تدارك الأمر فيما بعد، وأكد د.الضو، على ضرورة وجود بدائل للعقاب حتى يستفيد منها الطلاب من بينها مزج العقاب بالمكافأة، إعطاء التلاميذ الصور الإيجابية من السلوك السلبي الذي بدر منهم، واختيار العقاب الذي يتناسب وهذا السلوك أيٍّ كان، وعدم إهانة التلاميذ أو التقليل من شأنهم بين أقرانهم، إلى عدم استخدام العقوبة والإكثار منها والتقليل من المناسبات التي تؤدي إلى تكرار السلوك المزعج.
العقاب رؤية تأصيلية ولكن..!
كشف د.محمد الأمين عثمان، المحاضر بجامعة أم درمان الإسلامية إلى أن معظم الطلاب والطالبات من الجيل الحالي يعانون من الإحباط الشديد، الشئ الذي تفشى وسطهم بصورة كبيرة جداً جداً وواضحة للعيان، وهذا يعود إلى ضغوط نفسية كبيرة مواجهون بها يعيشها ويعاني منها المجتمع عموماً، ثم أدلف د.الأمين إلى عقاب الطلاب والطالبات بـ (الجلد)، وقال: لابد منه لأجل التربية وتقويم السلوك لديهم، مبيِّناً أن العقاب يقع على الجميع بداية من سن العاشرة لأمر النبي “صلى الله عليه وسلم” في قوله “: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع”، وهذا عند الأمر بالصلاة. وفي الصياغ رفض أن يكون الضرب في حالات الغضب الشديد بالنسبة للمعلم، لأن هذا ربما يصيب الطالب بعاهات يصعب علاجها والشواهد في هذا الجانب كثيرة ومشاهدة، وأضاف د.الأمين عن وجود وسائل للعقاب والمعاقبة منها الحرمان من التشجيع، واللوم والتوبيخ وهذا أسلوب لابد منه، حيث وضح في حديث الرسول “صلى الله عليه وسلم” في ما روى عن أبوذر الغفاري “رضي الله عنه” أنه عيَّر رجلاً بسواد أمه فوبَّخه النبي “صلى الله عليه وسلم” بقوله: “إنك امرؤ فيك جاهلية”، والهجر والمقاطعة، وأيضاً ظهر هذا في مقاطعة النبي “صلى الله عليه وسلم” والمسلمين للثلاثة في غزوة تبوك وهذا يدل على أن معلم ومؤدب الناشئة والتلاميذ يحق له أن يحرم المخطئ من زملائه لفترة من الزمن، ثم وأخيرًا العقاب البدني، وقد ذكر هذا أعلاه، وأبان د.الأمين أن كان لابد من العقاب فلابد أن يحذِّر المعلمين من المبالغة فيه على أن يصل إلى الغرض منه دون الوصول إلى الأذى الجسيم، وعلى المعلم أن يقتصر على إظهار أداة العقوبة خاصة على صغار الطلاب والأطفال منهم، حيث يظهر “العصا” أو “السوط” وما إلى ذلك ووضعهما في مكان واضح، فإذا انتهى الطلاب فقد وصل المعلم لمبتغاه وانتهت العقوبة، واستند د.الأمين في حديثه هنا إلى ما جاء في السُنَّة النبوية من قوله “صلى الله عليه وسلم” فيما رواه بن عباس رضي الله عنه”علِّقوا السوط، حيث يراه أهل البيت فهو أدب لهم”، ويأتي هنا -أيضاً- شد الأذن ونحو ذلك دون اللجوء إلى الضرب، ويتضح هذا في ما جاء به النووي في “الأذكار” روينا في كتاب السني عن عبد الله بن بسر المازني رضي الله عنه قال: “بعثتني أمي بقطف من عنب فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئت أخذ بأذني، وقال: “غدر”. وواصل حول العقاب أن تكون الأداة مناسبة وأن يتقي أماكن الأذى والوجه ونبَّه النبي “صلى الله عليه وسلم” منه في قوله: “إذا ضرب أحدكم فليتقي الوجه” واختتم د.الأمين بأن الضرب أو (الجلد) آخر عقوبة للمعلم لتقويم السلوك لدى الطلاب.
اتِّباع القوانين والالتزام بها
وفي هذا الجانب كشفت الخبيرة التربوية د.نهى عبد السلام أحمد صالح، ومن خلال دراسات نظرية وميدانية سابقة عن العقاب المدرسي ولها علاقة بالتحصيل المدرسي أن العقاب المدرسي أسلوب من أساليب التنشئة الاجتماعية وهو وسيلة للوصول إلى الهدف الأسمى، حسب آراء بعض الباحثين، وهو أداة إلى ترسيخ وتثبيت القوانين وهذا لا يعني أنه لا يخلو من أي ضرر، فقد تكمن خطورته في الصورة الذهنية للتلميذ من معلمه عندما يفرِّط في عقابة بدنياً أو لفظياً وينعكس هذا العقاب على شخصية الطالب في المستقبل وفي سلوكه سواءً في دراسته وتحصيله الدراسي بالزيادة أو النقصان، وكشفت الدراسات التي أجريت في ولاية الخرطوم إلى أن العقاب المدرسي من أهم الأساليب وأكثرها شيوعاً في الأوساط التربوية خاصة في الوقت الحالي ونظراً إلى تغيُّر الظروف الزمانية والمكانية فهو أصبح وسيلة لردع التلميذ، وحسب الباحثين هو وسيلة لضبط السلوك غير السوي، وكشفت د.نهي عبد السلام، إلى أن التحصيل المدرسي له علاقة بالعقاب المدرسي، فكلما كان العقاب شديداً وضاراً أدى إلى تراجع وتدني المستوى العلمي والعكس صحيح، فالعقاب له دور كبير في نجاح أو فشل التلميذ، وفي هذه الحالة يجب أن يكون العقاب مخطط له أي لابد أن يتبع قوانين في تنفيذ العقوبة حتى لا تؤدي إلى نتائج وخيمة تعود على التلميذ وعلى المؤسسة التربوية بالضرر، فالعقاب المدرسي بنوعيه البدني والمعنوي له آثار إيجابية داخل الحجرة الصفية على تربية وتنشئة الطفل أو الطالب وعلى تحصيله الدراسي، وعادت د.نهي بقولها: ولكن في المقابل يترك العقاب أثراً وبصمة سلبية ونفسية لدى التلميذ باعتبارها ظاهرة معقدة لا يمكن إرجاعها إلى عامل واحد، بل إلى عدة عوامل تشترك في حدوثها داخل المجتمع المدرسي، وأشار إلى أن رغم التحذيرات والقوانين التشريعية المنصوص عليها إلا أن معظم الفاعلين التربويين يمارسون العقاب وأساليبه خاصة الجسدي، ولكن بدون وجود أضرار في اعتبارهم أنه وسيلة من وسائل التهذيب وتأديب الطلاب والتلاميذ وزيادة في النتائج الدراسية، وكشفت د.نهى عبد السلام، ومن خلال دراسة قامت بها وزيارة ميدانية لتفسير وفهم الظاهرة وما إذا كان العقاب ظاهرة إيجابية يؤدي إلى زيادة التحصيل الدراسي، أم إلى تراجعه؟ فكانت النتائج المتوصل إليها أن العقاب الجسدي يؤدي إلى زيادة النتائج الدراسية، وكذلك العقاب المعنوي، ولكن هناك من يرى أن العقاب المعنوي له أثر كبير وضار في نفسية التلميذ، وله أثر بالغ مقارنة بالعقاب الجسدي، واختتمت د.نهى عبد السلام، بقولها وللعمل بالعقاب في الوسط المدرسي وأساليبه على المعنيين التفكير في استعماله بطريقة سلسة مع الحيطة والحذر من خلال تحليل وتفعيل الدور لكل من الأسرة والمدرسة والمجتمع في التنبؤ بالسلوك العدواني وكيفية معالجته فيما بعد.