(1)
مصطفى سيد أحمد المقبول مختار عمر الأمين سلفاب. من قرية ود سلفاب ـ الجزيرة ـ عام 1953م. قدم جده الأمين سلفاب من شمال السودان، منطقة الشايقية واستقر جنوب غرب الحصاحيصا على بُعد 7 كيلو متر منها، وغرب أربجي بحوالي 13 كيلومتراً “أربجي القديمة” والتي تقع آثارها على النيل مباشرةً، ثم تأسست أربجي الحديثة بحيث تكون القديمة بينها وبين النيل، وكان قدوم الأمين ود سلفاب للمنطقة حوالي عام 1700م. واستقر في مكان قرية ود سلفاب الحالية والتي كانت أصلاً قرية للدينكا، أبادهم وباء الجدري وما زالت هياكلهم العظمية ترقد تحت تراب القرية، إلاّ إذا أخرجها حفر المطامير أو أساسات المباني العميقة المعاصرة فتخرج مع حفنات من السكسك والخرز. عمل سكان ود سلفاب بالزراعة المطرية لبعدهم عن النيل ولوفرة الأمطار وكان ذلك قبل مشروع الجزيرة.
(2)
بعد قيام المشروع توفر الري الصناعي والموروث من المعرفة بالزراعة القادمة معهم من شمال السودان لذلك كان والده فلاحاً بالفطرة، احتقنت دماؤه بعاطفة الأرض والزراعة فكان محصلة لها بمصطلحاتها النوبية القديمة فيعتقد في ارتباط الحياة في الأرض بالنجوم وحركاتها وبالرغم من أنه كان يتمرد كثيرا على التعاليم الرسمية والجدولة الزمنية التي كان مفتشو الغيط يطلبون تطبيقها، إلاّ أنه كان دائماً وقت الحصاد يكون من أوفر الناس إنتاجاً.. ولكن كان اعتقاده دائماً أن ذلك يتم في إطار قاموس الطبيعة.. وتكملة لهذا القاموس والتزاماً به كلية كان ينفق فائض الإنتاج على المحتاجين حتى لا يتبقى منه ما يقابل إنتاج العام الجديد .. لم يتخرج في كلية غردون التذكارية، بل كان أمياً ولكنه علّمنا ما لا نجده في دُور العلم.
(3)
يقول مصطفى: أحمل في داخلي منه الزاد الذي لا ينفذ في كل مراحل عمري ويقول: لديّ سبع شقيقات وأخ شقيق واحد توفي العام 1970م، وكان عمره سبعة وعشرين عاماً وكان يكتب الشعر ويغني وتنبأ منذ وقت مبكر بأني سأكتب الشعر أيضاً وأغني أفضل مما كان يغني.. وكان صوته جميلاً.
وفي حوالي عام 1965 وفي مناسبة زواج أحد أبناء القرية من فتاة في قرية “العيكورة” وفي الحفل الذي أُقيم في هذا الزواج سمعت مغنياً من القرية شارك في الحفل يشدو بأغنية شعبية ميزت منها في ذلك الوقت “الفريق أصبح خلا.. جاني الخبر جاني البلا” وملامح اللحن كانت مشحونة بالعاطفة.. وفي لحظة صفاء ذكرت لشقيقي المقبول ملامح اللحن والمعاني التي تدور حولها القصيدة وأخبرته أن هناك إحساساً قوياً يهزني في هذا اللحن وهذه المعاني وقد وافق ذلك فيه ظرفاً نفسياً خاصاً فكتب نص أغنية “السمحة قالوا مرحّلة”.
(4)
أثبت هذه المعلومة إحقاقاً للحق وتوضيحاً للغموض الذي قد يحسه من لهم صلة بالأغنية القديمة عندما فاجأتهم الأغنية الجديدة .. كانت أولى كتاباتي بعد أن توفي شقيقي “المقبول” وأول قصيدة مكتملة كانت في رثائه.
(5)
درس الأولية والمتوسطة “المدارس الصناعية” وكان مبرزاً، حيث جاء ثاني السودان على مستوى الشهادة الفنية.. لم يواصل في المدارس الفنية حيث التحق بمدرسة “بورتسودان الثانوية” ومنها لمعهد إعداد المعلمين بأم درمان، حيث تخرج فيه وأصبح مُدرِّساً بالمدارس الثانوية العامة، إلى جانب ما اشتهر عنه من ممارسته لهواية الغناء، أيام دراسته بمدينة بورتسودان، كان موهوباً في مجال الرسم وفنون التشكيل.. عندما لم يسمح له أثناء عمله بالتدريس بالالتحاق بمعهد الموسيقى والمسرح قدم استقالته وعمل لفترة مصمماً للأقمشة بمصنع النسيج ببحري.
(6)
التحق بمعهد الموسيقى والمسرح وأكمل خمس سنوات بقسم الموسيقى “قسم الصوت” إلاّ أنه لم ينتظر حتى ينال شهادته الأكاديمية. متزوج وله طفلان “سامر وسيد أحمد”، له من الأخوات سبع وشقيق توفي عام 1970م “المقبول” وهو شاعر غنّى له مصطفى. عانى من المرض كثيراً، فقد لازمه الفشل الكلوي مدة طويلة “15 عاماً” أجرى خلالها عملية زراعة كُلى بروسيا أواخر الثمانينات، إلاّ أنه تعرّض لانتكاسة جديدة بداية عام 1993 بالقاهرة وانتقل منها للعلاج بالدوحة، حيث ظل هناك يباشر عملية الغسيل الكلوي ثلاث مرات في الأسبوع إلى أن توفاه الله مساء الأربعاء 17 يناير 1996م.