محمود عبد العزيز.. كلمات بطعم الحزن والبرتقال في ذكرى الرحيل العاشرة
كتب: سراج الدين مصطفى
ادعاء الحزن:
لا ادعي الحزن بهذه الكثافة التي يمارسها البعض الآن .. لأنني كنت مهيأً للخبر .. وكنت أتوقع أن اسمعه في أي لحظة .. لأن الحالة الصحية لمحمود عبد العزيز كانت لا تنبئ بأنه سيقوم من رقدته .. ولكن كان العشم في الله كبيراً.. ولكن يظل الموت هو الحقيقة الباذخة التي لا تقبل الجدل والتزييف والتغيير .. سيظل الموت هو سبيلنا جميعاً دُون فرز .. كلنا محكوم علينا بالإعدام ونقف في صف طويل في انتظار اللحظة .. ذلك هو الواقع الذي يعلمه الجميع .. ولكن ما بين كل ذلك تطل الثقة في الله بأن يمنحنا بصيص أمل في عودة محمود عبد العزيز إلينا .. ولكن الأجل إذا جاء فلن يتم تقديمه أو تأخيره ولا ثانية واحدة .. وتلك هي مشيئة الله علينا التي ارتضيناها جميعاً وليس لنا هنا (حق النقض) والاعتراض .. لأننا بايعنا الله على أرواحنا وسلمناها كل المفاتيح برضاء تام لا يخالطه الشك والتشكيك.
حقيقة لا مفر منها:
مات محمود عبد العزيز .. حقيقة أصبح لا مفرا منها .. رغم أنها مؤلمة وقاسية أن يغادرك من تحب دون أن يسمح لك بلحظة وداع .. وما أقسى الوداع ولحظاته .. إنها لحظات فوق طاقات التحمُّل وأكبر من قدراتنا .. ولكن يظل العزاء في الحزن يبدأ كبيراً ثم يتلاشى رويداً رويداً .. وتبقى الذكرى العطرة وجلائل الأعمال .. ومحمود عبد العزيز من تلك العينة التي حفرت عميقاً في وجدان الناس .. ولعل السؤال القديم عن سر هذه المحَبّة الجارفة مازال حتى الآن مطروحاً ومفتوحاً لكل الاحتمالات والأجوبة.
كل هذا الحزن النبيل:
رحل محمود عبد العزيز وترك كل هذا الحزن النبيل .. حزن لا يشابه الأحزان .. يختلف عنها كما كان هو مختلفاً عن غيره في شخصيته وتجربته الغنائية .. كل الذي يحدث الآن وما حدث قبل أيام هو نتاج طبيعي لاحترام التجربة الفنية .. ومحمود احترم تجربته واستطاع أن يحافظ على خط (الرصانة) وابتعد بقدر الامكان عن ما سمي بالأغاني الهابطة .. ومن الصعب أن تجد أغنية واحدة يمكن أن تطلق عليها مسمى أغنية هابطة في تجربة محمود الطويلة .. فهو واحد من قلائل حملوا لواء (الجدية) بأدوات بسيطة وعادية ولكنها عميقة في تفكيرها البعيد.
ميلاد فنان غير عادي:
عندما ظهر الراحل في بدايات التسعينيات والبوماته تتوالى تباعاً في أسواق الكاسيت ـ استهجن البعض تواجده الكثيف هذا واعتبروه ضرباً من ضروب (البزنس) الذي تسعى وراءه شركات الإنتاج الفني والفنان ، ولكن أيقن الناس بعد حين أن ما يقدمه هذه الأسطورة هو الفن والغناء الحقيقي بكل معاني الكلمة، فالشاهد والمتابع وقتها لأغنياته أنها ما اتخذت خطاً لحنياً واحداً، بل تمايزت وتنوّعت ولعل ألبومه الأول (خلي بالك) الذي أنتجته شركة حصاد قد بشر بميلاد فنان غير عادي، واتضحت ملامح محمود الغنائية تماماً بعد ألبوم (سكت الرباب) الذي تم توزيعه الموسيقي في روسيا بإشراف الجيتارست الدكتور الفاتح حسين، وهذا الألبوم تحديداً قد بشرنا بولوج محمود الدنيا العالمية، خاصة والتوزيع الموسيقي قد قارب ما بين سلمنا الخماسي ومازج ما بين السباعي العالمي.
كحالة خاصة:
محمود عبد العزيز ومنذ أن بدأ ظهر كحالة خاصّة استدعت ضرورة النظر إليها عن قُرب.. بوصفه الفنان الوحيد الذي يمكنه إقامة حفل جماهيري خلال العام دون أي من المواسم المعروفة، ودون أن يحسب له على أنه مجازفة.. حيث أن جمهوره رهن قراءة الإعلان أو من خلال إشعار مما يقوده للتدافع لإنجاح أي حفل لمحمود عبد العزيز.
التشييع المهيب:
التشييع المهيب الذي وجده الراحل محمود عبد العزيز كان يشابه تماماً تشييع جنازة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، وهو حينما مات حزن الجمهور حزناً شديداً حتى إن بعض الفتيات من مصر انتحرن بعد معرفتهن بهذا الخبر. وقد تم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة لم تعرف مصر مثلها سوى جنازة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والفنانة الراحلة أم كلثوم سواء في عدد البشر المشاركين في الجنازة الذي بلغ أكثر من 2.5 مليون شخص، أو في انفعالات الناس الصادقة وقت التشييع.. وبذات التفاصيل يعود السيناريو مع محمود عبد العزيز .. والذي يستحق كل ذلك.