الجهاز القضائي.. ورقة في مهب التغيير السياسي
تقرير- نجدة بشارة
جدل مثار منذ إعلان التوصيات النهائية لورشة لجنة إزالة التمكين بشأن الجزئية المتعلقة بالسلطة القضائية وتوصيات المؤتمر بإلغاء الأحكام الصادرة من الدائرة القضائية التي ألغت قرارات لجنة التفكيك وإعفاء قضاة المحكمة العليا، وإخضاع القضاة الآخرين لعملية الفحص والتدقيق .
ووصف متابعون التوصيات بالزج بالجهاز القضائي في أتون الصراعات السياسية، واتهام الحرية والتغيير بالسعي لإحكام قبضتها على السلطة القضائية من خلال تعيين قضاة موالين لها .
ويرى مراقبون أن قانون القضاء ينص على منع العمل السياسي، أو تسييس القضاة وليس هنالك قاضي وسياسي في ذات الوقت، لأن القضاء يجب أن يكونوا مستقلين ومحايدين .
فعل ورد فعل
لكن في ذات الوقت يتخوَّف متابعون من تأثير تحكم السياسيين في الجهاز القضائي الذي يمس العدالة وسيادة الدولة، وأن إلغاء قرارات الجهاز من قبل السياسيين تعطي انطباعاً غير جيِّد عن العدالة في السودان على المستوى الإقليمي والدولي، واضعين في الاعتبار أن لجنة تفكيك إزالة التمكين الأولى أجرت تعديلات واسعة على الجهاز القضائي وأوقفت بموجبها المحكمة الدستورية وصنعت فراغاً عدلياً مازال حتى اليوم، ثم جاءت قرارات 25 أكتوبر، وألغت عمل لجنة إزالة التمكين وأعادت المفصولين من الجهاز القضائي بموجب قرارات إزالة تفكيك نظام 1989م .
والآن تذهب توصيات ورشة التمكين في ذات المنحى وتطالب إلغاء قرارات قضائية دون مراعاة أن مثل هذه النصوص تشكك في نزاهة القضاء الوطني والعدالة، وهي ذات الشعارات التي سبق ونادت بها ثورة ديسمبر المجيدة عن العدالة.
توصية ومراجعة
وتضمَّنت التوصيات توقيع عقوبات رادعة ضد الذين أدينوا في فساد مالي أو إداري، وتصفية الواجهات الدينية لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، كما ألغت جهاز التحصيل الموحَّد التابع لوزارة المالية.
ونادت بمراجعة القرارات كافة التي صدرت عقب سيطرة الجيش على السلطة ومحاسبة المتورطين في نهب وتبديد المال العام بعد 25 أكتوبر 2021، إضافة إلى تأسيس شرطة خاصة بلجنة إزالة التمكين.
واعتبر المؤتمرون أن الفساد والتمكين من جرائم الأمن القومي التي تتطلب قانوناً صارماً، وسياسات حاسمة، وإجراءات سريعة ومضبوطة، وتكامل جهود مؤسسات الدولة، وتعزيز الرقابة والمتابعة والمساءلة، ووضع كافة التدابير لضمان عدم الإفلات من العقاب.
وفي السياق، طالب البيان الختامي بضرورة تثبيت أسس ومبادئ عملية تفكيك النظام الـسابق وفق المعايير الدولية وسيادة حكم القانون والتمسك باسترداد الاموال المستولى عليها بوسائل غير مشروعة.
وأشار إلى أن هذا يجب أن يتم وفق استراتيجية جديدة وهيكل جديد وتطوير للقانون والإجراءات وبكفاءات وطنية قادرة ومؤهلة، وفق مبادئ سيادة حكم القانون والشفافية والعدالة، وتوفر الدعم السياسي من القوى السياسية والمدنية.
خاطئة ومخالفة
في السياق وصف الخبير القانوني ورئيس لجنة فضّ الاعتصام نبيل أديب، توصيات لجنة إزالة التمكين بالخاطئة والمخالفة لقانون القضاء.
وأكّد نبيل في تصريحاتٍ لصحيفة سياسية أنّ هذه التوصيات شاذة ومخالفة للدستور.
وأضاف” الحديث حول هذه اللجنة بأنّها لجنة سياسية قانونية خاطئ، فهي إمّا أنّ تكون قانونية وفق قانون لجنة التحقيق، أو لجنة اتّخاذ قرار وهذا المتفق عليه بموجب قانون التحقيق أو بموجب القانون الجنائي”.
لكن المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين الريح محمد قال: إن الجهاز القضائي الحالي جهاز سياسي ملئ بمنسوبي النظام البائد، وأحد أجهزة الدولة التي تحتاج إلى تفكيك، نسبة إلى أن كوادر النظام السابق مايزالون بداخلها ولابد من تفكيكهم حتى تعود للجهاز استقلاليته .
وفي رده على ما أثير بشأن عدم إمكانية تتفيذ قرارات الخاصة بالسلطة القضائية قال: وفقاً لما ورد في تصريحات صحفية للجريدة: إذا تم النص على إقالة منسوبي السلطة القضائية في تعديلات الوثيقة الدستورية في المواد الخاصة بالسلطة القضائية تصبح نافذة، ورفض الاتهامات التي توجه إلى الحرية والتغيير أنها تريد إحكام قبضتها على السلطة القضائية من خلال تعيين قضاة موالين لها .
تسييس القضاء.. تكرار الخطأ
ولعل الخبيرة الدولية غريتا فيرنر، التي حاضرت في ورشة لجنة تفكيك نظام الـ30 من يونيو، أوصت الالتزام بالعدالة والقانون، ودعت إلى تجنب الطرق القصيرة واستسهال الحلول، وأن عدم الالتزام بسيادة القانون لا يؤثر على عملية استرداد الأصول لوحدها، بل سوف يدمِّر عملية التفكيك برمتها، وأن الاستخفاف بحكم القانون واتخاذ الطرق القصيرة يعني عملياً عكس ما يريدون تحقيقه من دولة القانون .
وفي ذات الاتجاه كتب الكاتب عادل الباز، في مقال في مسرح التفكيك، من يسمع غريتا، أن توصيات لجنة إزالة التمكين كأنها تكرار ذات الأخطاء وبأسوأ مما كان، إذ يعتزمون معاقبة القضاء بفصلهم من وظائفهم ليتم تسييس القضاء بالكامل لصالح ثلاثة أحزاب سياسية..وتساءل لكن هل سوف يستكين القضاء هذه المرة؟
وأضاف: غريتا قالت: ما يوجد من قوانين تكفي ولا حاجة إلى إصدار المزيد والجديد التي تهدر العدالة ولا تصون حقوق الإنسان التي كتبوها بأيديهم في صدر الاتفاق الإطاري .
تأثير وتعطيل
قال الخبير القانوني ورئيس اللجنة السياسية بحزب الأمة آدم جريجير لـ(الصيحة): إن السياسة أثرت بشكل غير مباشر على الجهاز القضائي، وأحدثت فراغاً ساهم في تأخر تشكيل المحكمة الدستورية منذ سقوط النظام البائد، وطيلة الفترة الانتقالية السابقة، تلتها فترة الانقلاب والاضطراب السياسي، وكان من المفترض أن تتشكَّل منذ الاتفاق على الوثيقة الدستورية، نسبة إلى أنه “تقوم المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين، وحفظ الحقوق، والحريات الأساسية، والفصل في النزاعات الدستورية، ولكن هناك فراغ عام تشريعي ودستوري ألقى بظلاله على العديد من القرارات السياسية العامة، ولا أعتقد أن هنالك ما يستدعي تأخر قيام المحكمة الدستور طوال هذه الفترة” سوى التعقيدات السياسية .
ويشير إلى أن التأثير السياسي الذي يحدث كبيراً على الجهاز القضائي وسير مجرى العدالة في السودان .
وأكد أن القضاء هو القلب النابض للنظام القانوني، والسياسي، والدستوري في البلاد، مشيراً إلى أن “السودان” منذ سقوط النظام البائد ظل تحت نظام قانوني، من دون قلب نابض، وأضاف يجب عدم تقييد العدالة بالصراعات السياسية.
في المقابل رأى المحلِّل السياسي الطريفي كرمنو، أن الزج بالأجهزة العدلية في الصراع السياسي يضعفها..وقال: إن لجنة إزالة التمكين السابقة ساهمت بشكل غير مباشر على الجهاز القضائي من خلال تسريح وتعيين القضاء منذ سقوط النظام السابق، كما أنها أبطلت نظام الاستئناف في قضايا التمكين لجهة أن إبطالها أثر على توقيف طلبات الاستئناف للجهات المتظلمة من قرارات التمكين السابقة.
وقال : يجب أن تعي الحرية والتغيير الدرس بعدم التدخل مجدداً في قرارات القضاء والعدالة وأن تلتفت إلى قضايا السياسة وحل أزمة السودان.