عبد الله مسار يكتب: القاهرة في الخرطوم
15 يناير 2023
عرف أنّ للسودان ومصر علاقات تاريخية وسياسية قديمة، وأن مصر هي توأم السودان منذ القدم، وربطت بين البلدين مصالح كبيرة ومشتركة، أهمها نهر النيل شريان الحياة بالنسبة لمصر.
وفي التاريخ الحديث، اشترك السودان في كثير من القضايا حتى صار الشعبان السوداني والمصري شعباً واحداً في دولتين، وكثير من السودانيين تعلّموا في الجامعات المصرية منذ بواكير القرن العشرين، وقبل ذلك وخاصةً في الأزهر الشريف، وكان للسودانيين رواق، وبل كانت لإدارته علاقات خاصّة مع بعض ولايات السودان، وتعلّم فيه عدد كبير من أبناء السودان.
والجالية السودانية في مصر هي أكبر جالية يتجاوز عدد السودانيين خمسة ملايين نسمة، وقانون الحريات مفعل تماماً في مصر، وحركة السودان ومصر قوية جداً، حتى النشاط التجاري كبير.
واشترك السودان في كل حروب الأمة العربية مع إسرائيل عبر مصر، وكان للسودان دورٌ كبيرٌ في ترميم العلاقات العربية المصرية بعد نكسة يونيو 1967م، وكان مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم. وعلاقة مصر والسودان متجذرة.
قامت ثورة ديسمبر 2019م
واستولت، وسيطرت على السودان أمريكا وبعض دول الغرب، ظاهرة على السطح بريطانيا وفرنسا والنرويج، ثم الإمارات والسعودية. وأُبعدت مصر عن المشهد، على الأقل في الظاهر، وحاولوا أن يصمموا مشروعاً خارجياً أبعد عنه مصر وبعض أصدقاء السودان كقطر وتركيا وروسيا والصين وإثيوبيا وجنوب أفريقيا ودول أفريقية وعربية وآسيوية، وصار المشهد السوداني غربياً، وصار السودان مستعمرة غربية، وأُبعدت القاهرة عن الملف السوداني تماماً.
ولكن القاهرة ولو غابت ظاهرياً، ولكن لن تغيب تحت التربيزة لعلاقة القاهرة القوية مع الجيش، وكذلك مع بعض الأحزاب التاريخية، وكذلك مع قوى سياسية ومجتمعية وأهلية، بل مع كثير ممن درسوا في مصر، ولذلك أثر مصر في السودان لن ينمحي بسهولة.
وقع الاتفاق الإطاري ورحبت بذلك القاهرة، ولكن ذلك لن يكفي، لأنّ الاتفاق الإطاري جزئي ولن يقود إلى اتفاق نهائي مجمع عليه من الشعب السوداني والقوى السياسية، وهو (كمين مخابراتي غربي) وشرك ليقع السودان بموجبه في براثن القوى الغربية التي فتّت العراق، وخربت ليبيا واليمن، وقزمت وشرّدت سوريا.
وكل هذا الفيلم مصر تنظر مشاهده وتتفرج عليه دون أن تكون من مؤلفيه أو في إخراجه، وتتوجّس منه خيفةً، وبنفس القدر القائمون عليه من الرباعية وفولكر.
إذن، في ظل هذا الوضع لا بُدّ لمصر من دور، وخاصةً عدم الإجماع على الاتفاق الإطاري، الذي أكثرية الشعب تعارضه، وهو مشروع غير قابل للحياة وقد يقود إلى تفتيت السودان، وأول المتأثرين بذلك مصر، وأمن مصر من أمن السودان.
في ظل هذا الوضع، جاء إلى السودان الفريق عباس كامل مدير المخابرات المصرية، وبعد أن تأكد لمصر أن السودان صار مسرحاً للصراع الدولي، ومرتعاً خصباً للمخابرات العالمية والإقليمية، ومهدداً أمنياً خطيراً.
طرح الفريق كامل، مبادرة لجمع السودانيين في القاهرة لحوار سوداني سوداني، طبعاً متوقع أن ترفضها قحت، بحجة أنها ستغرق الاتفاق الإطاري، وقد تأتي بقوى لا تقبلها قحت والذين من خلفها، ولكن ستقبلها باقي القوى السياسية لأنها ستؤدي إلى جمع صف القوى السياسية والمجتمعية والأهلية في كيان واحدٍ، يضاعف معارضة المشروع الفولكري الاستعماري الجديد القائم على حكم مجموعة النُّخب التي تسيطر على المركز على حساب أهل الهامش والريف.
إذن، دخول مصر في هذا الوقت جاء مناسباً جداَ، وفي وقته، ولو خطط له جيداً سيعيد المعادلة وفي أسوأ الاحتمالات سيربك المشهد ويعيد التوازن، خاصةً وإن دخلت دول أخرى على الخط.
ولذلك على مصر أن تأخذ أمر السودان بجد، وأن تتواجد على المسرح كما يتواجد الآخرون.
مبادرة مصر التي جاء بها الفريق كامل في غاية الأهمية، رغم أنها في تطوير التكوين، ولم تتضح ملامحها، ولكن جمع السودانيين لوحده مهم وسيولد خطوة جديدة.
الحراك الوطني يؤيد المبادرة المصرية ويدعمها.. وتاريخنا الحديث يؤكد أن استقلال السودان كان لمصر فيه نصيبٌ.