وفجأة تغيّر الديكور وتحولت الأفئدة والسيوف باتجاه الثورة.. ذات الأقلام والمواكب والأشرعة تحولت دفتها وصواريها بعيداً من مركب الإنقاذ الغارقة، وبلا اغتسال أو تيمم يمموا شطر (السانات) وبلا خجل أو تبرير زاحموا الثوريين بِرُكَبهم وانخرطوا في التنظير والمناصحة بل وتوزيع ادوار المرحلة الجديدة على نحو أصيل حتى إنهم (طردوا جدادة البيت)، وأنا زي ترباس (جني وجن الضيف البيقلب السمكة)..
مسكينة الثورة (بتمشي لي ناس ما بتقدر)، فقد تغشاها المرض قبل أن يكتمل نضجها، وذات الأعداء الذين خرجت ضدهم هم الان في واجهتها وأغرب حاجة حسادها أجاويدها.
أتذكر وأثناء الثورة المصرية قدمت الفضائية المصرية أحد (الخبراء الاستراتيجيين)!! لتحليل ما يحدث في الشارع المصري، المقدم والضيف تناوبا السب والشتيمة والتقريظ في سفاهة التظاهر وعقم الحراك الثوري.. في منتصف اللقاء كانت قد (سقطت) فتحولت المقابلة بذات الهيئة وبراءة الأطفال في عيونهم إلى التأييد بلا شروط لعهد الثورة الجديد فرحاً واستبشارًا بزوال دولة الظلم والظالمين… حدث هذا في مصر وبدا مقبولاً نظراً للذاكرة الكلامية المطاطية للإخوة المصريين و(الخوة اللستك)، ولكن ما الذي جرى هنا لينقلب المشهد هكذا ويتحولوا من اليمين إلى الشمال بوتيرة متسارعة الخطى ودون الاحتياج لعمل (سندة) وإيجاد منطق جديد للمرحلة الجديدة، وتنوير الشهود ببعض (فذلكات) صدئة تبريراً وتسبيباً.. وكيف لم يُضنِهم ولم يُسهد هجعتهم (شماتة ابلة ظاظا).
دوماً ثمة فرصة للانعتاق والأصالة وأن ترفع رأسك وتنسرب مرفوع الهامة منتصباً قاطعاً أمرك مع محمود درويش:
(هذا العشاء هو الأخير على موائدكم فقد قررت أنني سأكون وجهي).
وهي فرصة لا يستنقذها أو يستنقذها إلا من كان حاضر التفكير فيها، حاسر الرأس عند كل اهتبال، مستحثاً محدثاً نفسه بالمرقة أو (بوختها) وفي كل خير.
ما خُيّر رسول الله بين أمرين إلا واختار أيسرهما.. ولكن مثل أولئك تتمادى قلوبهم في تحري المداهنة دياثة وسوء كيلة، يتفننون (التمطيق) في أوان التغيير، فيستقبلون مستلذين خاضعين شاكرين حامدين سيدهم الجديد الذي طالما حلموا به وطافوا به مع الدجى لعنا فلعنا في (سنسفين) القيصر القديم. رغم أن القيصر القديم (عينو لسع ما انفقعت)!!
فهم في مداهنتهم مقاتلون شديدو الشراسة والشِّكس والتراص والترصيص لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم وشعارهم دوماً كالكشاف (كن مستعداً)..
لا أدري لماذا استلهم الغرابة (الجُركم) ليباعدوا به من فكرة إمكانية عيش الغثاء زمناً آخر.. فقد أكلت (الجرادة الخضراء في منبت السوء) كل خريف لها ولغيرها.. وأنجزت مع كل نظام ودولة وحزب (حصان طروادة) لا يُرى بالعين المجردة لكنه جاهز لـ (يوم الكريهة وقدود ثغر).. ولا ما كدة يا بروف علي المك:
(تدبير ربي عظيم..
ففي مدينتي تموت السلاحف في ليال تسع..
ويحيا البعوض دهورا).