تجديد الشكوى ضد مصر.. (حلايب) التحكيم أو التفاوض
تقرير- مريم أبَّشر
جدَّد السودان شكواه السابقة ضد مصر، أمام مجلس الأمن الدولي الموجودة ضمن ملفاته منذ أكثر من ستة عقود، فيما يتعلق بالسيادة على مثلث حلايب المتنازع عليه .وظل السودان يُجدد الشكوى ضد مصر مُنذ 1958، حيث أن عدم تجديدها لثلاث سنوات، يدفع مجلس الأمن الدولي إلى حذفها من أجندته، وهي شكوى تتعلق بالتحكيم الدولي لحسم تبعية منطقة حلايب. ويأتي تجديد الشكوى كإجراء روتيني لحفظ الحق السوداني ومطالبته باسترجاع المنطقة من قبل أكبر آلية تتبع لمؤسسات الأمم المتحدة المعنية بالنظر في شكاوى دولها الأعضاء والإبقاء عليها في أجندة المجلس حتى لا تحذف تلقائياً، ووفق مصادر بوزارة الخارجية فقد حرص السودان على القيام بتجديد الشكوى سنوياً حفاظاً على حقوقه.
المسكوت
معلوم أن العلاقات الثنائية بين مصر و السودان هي علاقات جوار ومصير مشترك وتداخل قبلي وتبادل منافع وحراك بشري مستمر، ولكن ظل ملف حلايب الساكن المتحرِّك يتم تحريكه كلما غطت سماء البلدين بعض غبار التوتر وطفت المشاكل السياسية على سطح العلاقات، ورغم تعاقب الحكومات على السودان ما بين مدنية وعسكرية منذ أكثر من ستة عقود، ظل ملف حلايب محك سر، ولم تشأ أياً من الحكومات السابقة الغوص عميقاً باتجاه إجراء مواجهة مباشرة لحسم الملف، بل ظل يتقدَّم ويتأخر وفق تكتيكات الراهن السياسي في البلدين، ولكن يحسب لرئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية المستقيل الدكتور عبد الله حمدوك، أن جهر بهذا الملف علناً وطالب في أول زيارة قام بها لمصر بأهمية التحدث علناً عن المسكوت فيه من ملفات القضايا الشائكة بين البلدين وأهمها تبعية حلايب الموثقة بالمستندات وأن يتواضع البلدان على الوصول فيها لحلول حاسمة بدلاً عن تركها لمزادات التلويح وفق الظروف السياسية.
ومن ثم فإنه يجب تلمُّس تسوية دون إرجاء حفاظاً على أوجه الصداقة وحسن الجوار بين الدولتين حتى تكون الحدود الدولية نقاط تلاقي وتعاون بين الشعبين المصري والسوداني، وألا تكون دائماً مصدر للتوتر بين البلدين.
جدير بالذكر أن الشكوى الأساسية كانت بتاريخ 20 فبراير عام 1958.وتقع منطقة حلايب،على الطرف الإفريقي للبحر الأحمر.
أصل الحكاية
النزاع السوداني حول حلايب وشلاتين، الذي تبلغ مساحته 20.000 كيلومتر مربع، ويعيش فيها 27.000 شخص، تمثل في تلك الخلافات التي تحدث بين الدول المتجاورة بشأن الحدود المشتركة بينها، أو هي إدعاءات معارضة للدول المتجاورة بشأن تعيين الحدود التي تفصل أقاليمها أو تخطيطها. يطفو الخلاف على السطح إما بسبب الرغبة في التوسع أو إما بسبب ظهور موارد معدنية أو نفطية وهو ما يمكن تسميته في هذه الحالة أحد أسباب الحرص المصري على إحكام سيطرتها على حلايب على الأرجح، أو ربما يكون سبب النزاع الخلافات حول تعيين المسار الصحيح لخط الحدود بين بلدين جارين.
ويرجع النزاع المصري السوداني على مثلث حلايب نظراً لوجود ادعاءين متعارضين لموضوع خط الحدود، ويشير خبراء في النزاعات الحدودية بين الدول إلى أنه غالباً ما ينشأ مثل هذا النوع من المنازعات نتيجة وجود سندين مختلفين لتعيين خط الحدود الصحيح. ويدخل هذا النزاع ضمن طائفة المنازعات القانونية التي يجب تسويتها من خلال إعمال حكم القانون، ويضيف الخبراء بأن الدول أحياناً ما تفضل تسوية بعض هذه المنازعات عن طريق الوسائل السياسية للتوصل إلى حل توفيقي بعيداً عن حكم القانون، ويتميَّز الحل السياسى بأنه يكتسب حساسية خاصة نتيجة كونه نزاع ينشب بين دول ذات حدود مشتركة مما يكون له أثر في تعكير صفو العلاقات من حين لآخر، كما يحدث في الحالة السودانية المصرية طوال نزاعهما المتجدد بين الفينة والأخرى حول مثلث حلايب.
لا جدوى
ظل السودان يجدد شكواه منذ 58 سنة وفعلها الأن، ولكن كما يقول الخبير في الشأن الحدودي بين الدول البرفيسور عبد الله صادق، إن أي شكوى بعد تجاوز الستين عاماً، لا جدوى من ورائها طالما أنها لم تفعل لصالح إنهاء الأزمة المعنية، وأضاف بروف صادق: إن شكوى السودان لدى مجلس الأمن تجاوزت الستين عاماً، بالتالي الطريق الوحيد لحسم هذا الملف لا يتم إلا عبر وسيلتين الأولى المباحثات المباشرة أو التحكيم عن طريق محكمة العدل الدولية وهو ما ترفضه مصر باستمرار، ولفت صادق في حديثه لـ (الصيحة) إنه لا بد بصورة أو أخرى من إيجاد حل لهذه القضية، وقال: إن مثلث جلايب الآن تحت الاحتلال المصري بالكامل وأن هنالك عشرات الاستثمارات تتم فيه خاصة من الدول الخليجية، فضلاً عن إنشاء مصر طريق مسفلت يربط حلايب بالقاهرة وشروعها في إنشاء جامعة حلايب، وأضاف قائلاً: للأسف لم يحرِّك ذلك ساكناً لدى المسؤولين في الحكومة، وقال: إن هذا الملف ظل محل إهمال من قبل السودانيين وكان يمكن حسمه منذ عهد الرئيس نميري أو الحكومة السابقة، غير أن نظام مايو طبَّق ما عرف بالتكامل المصري السوداني وأن كل الحلول التي تجري كانت بمثابة تخدير ليس إلا، ولم تكن جادة في التعامل مع هذا الملف.
أمر خطير
نبَّه الخبير في الشأن الحدودي بروف صادق، إلى أن هنالك أمر خطير بتمثل في عملية التمصير والتعاطف التي يقوم بها الجانب المصري مع شيوخ القبائل والعشائر بمنطقة حلايب، وقال: كان يمكن للحكومة السابقة تحريك الملف بعد الاتفاق السعودي المصري حول جزيرة صنافير،وأشار إلى أن الاتفاق الذي رفضت الدولتان اطلاع السودان عليه منح مصر حدود مائية جزء منها داخل الحدود المائية السودانية في البحر الأحمر وهو أمر يعد ضد القانون الدولي.
ممكن بشرط
رغم اليأس مما يجري وحالة الإهمال والتراخي التي تعاملت بها كل الأنظمة السودانية مع ملف حلايب فإن الخبير في الشأن الحدودي بروف عبد الله صادق، أشار إلى أن الحل لهذا الملف ما زال موجوداً، إذا ما توفر خبراء في القانون الدولي تم تشكيل لجنة قانونية لتحريك الملف عبر محكمة العدل الدولية، باعتبار أن امر تجديد الشكوى لدى مجلس الأمن الدولي لم يعد مجدياً، وأشار إلى أن الصراع السياسي يجب أن لا يلهي الشعب عن انتزاع حقه، لأن الأرض ملك للشعب. وقال: إن الصراع على الحدود السودانية ليس قاصراً على مصر في مثلث حلايب وشلاتين فحسب، بل أن هنالك صراعات أخرى مع أفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان وإثيوبيا تحتاج هي الأخرى لحلول جذرية تعود بفض الأراضي السودانية لأصحابها، وتتحوَّل الحدود بين السودان وجيرانه إلى مناطق لتبادل المنافع وليس مسارح للحروب.
عنق الحقيقة
وسبق أن قال رئيس المفوضية القومية للحدود، معاذ أحمد تنقو، إن مثلث حلايب وشلاتين، المتنازع عليه مع مصر، منطقة سودانية 100 بالمئة، وليس هناك أي شك في ذلك.وأضاف تنقو في مؤتمر صحفي: إن “الادعاءات المصرية” حول تبعية مثلث حلايب للقاهرة هي “ادعاءات باطلة”.وأشار إلى أن المصريين، “وفي سبيل ليّ عنق الحقيقة، يتحدثون عن أن هناك اتفاقية دولية تحدد حدود السودان في عام 1899″، مضيفاً أن ذلك “ليس صحيحاً”.ونفى أن تكون هناك اتفاقية دولية تحدد حدود السودان في ذلك الوقت، وإن وجدت فقد ألغاها البرلمان المصري عام 1947 وأعلن النحاس باشا والنقراشي باشا أمام مجلس الأمن عام 1947 و1948 إلغائها وفق وثائق مجلس الأمن الدولي.
تخوُّف مصري
رأى الكاتب والمحلِّل الأمريكي “جرمي لودي”، في مقال نشره موقع “جلوبال رسك انسيت”، أن خوف مصر من نتيجة التحكيم في قضية حلايب وشلاتين هو السبب في رفض حكومة عبد الفتاح السيسي لمطالبات السودان باللجوء إلى التحكيم الدولي.