الخرطوم- الصيحة
قلل خبراء اقتصاديون من قدرة موازنة العام 2023م، المزمع إجازتها بمجلس الوزراء قريباً، على تحقيق اختراق وتحسين الحال الاقتصادي، مشيرين إلى عدم واقعية تصريح وزير المالية بأن حجم الموازنة يبلغ 5 ترليون جنيه.
موازنة غير قابلة للتطبيق
يصف الخبير الاقتصادي د. محمد الناير، موازنة العام الحالي 2023 وفقاً لما رشح من ملامح، بأنها “غير واقعية وغير قابلة للتطبيق”، وقلَّل من صدقية حديث وزير المالية بأن حجم الموازنة يبلغ 5 ترليون جنيه، وبرر الأمر بقوله: إن هذا يعني زيادتها بنسبة 100% عن موازنة العام الماضي 2022م، التي كان حجمها وفقاً لتصريحات وزير المالية 2.9 ترليون جنيه، مشيراً إلى أن هذا يعني أن أداء الموازنة للعام الماضي لم يتحقق بالكامل، بحيث أن حجمها المعلن كان 3.6 ترليون جنيه، وكان حجم الموارد 3.3 ترليون.
وأضاف الناير، إن أرقام الموازنة ما تزال تتسم بالضبابية لعدم الإفصاح عن تفاصيل الموازنة العامة للدولة لعام 2023، كما هو الحال في عام 2022 لعدم الإفصاح حتى الآن عن حجم الأداء ولم يعلن إلا عن الربع الأول في العام 2022م، وأردف “بالتالي لا نستطيع القول إن موازنة العام 2022 أنجزت بالكامل”.
وأكد الناير أن العام الحالي لا يحتمل أي أعباء إضافية جديدة كما تحملها العام الماضي 2023م، وقطع بصعوبة فرض رسوم وضرائب جديدة إلا إذا تم توسعة المظلة الضريبية أفقياً أو الاستفادة من موارد السودان الطبيعية والحد من تهريب الذهب وغيرها من الأشياء الأخرى التي يمكن أن تساهم في هذا الأمر، وزاد “بخلاف ذلك سيكون الأمر صعب للغاية ولم تنفذ الموازنة بالشكل المطلوب” وأشار إلى أن هنالك تحديات كثيرة منها مطالبة تعديل الرواتب من المعلمين وأساتذة الجامعات وفئات أخرى، وقال: لا يعقل أن تتعامل الدولة بنظام إطفاء الحرائق الذي تعاملت معه في العام الماضي 2022 حينما أضربت قطاعات حيوية واستراتيجية في الدولة، وشدَّد على ضرورة معالجة شاملة للأجور لتغطي الحد الأدنى لمستوى المعيشة وهذا هو الحل الذي يجعل الدولة تبحث عن موارد اضافية لمعالجة الأمر خلال موازنة 2023م.
واستبعد الناير الصرف على التنمية خلال الأعوام الماضية، ببد أنه شدَّد على ضرورة الصرف على التنمية خلال المرحلة القادمة وأن الاهتمام بالصحة والخدمات الضرورية أمر واقع في الموازنة ومفصل في لبنودها بصورة واضحة ويتابع تنفيذها بشكل واضح وفيما كشف وزير المالية عن عجز 15% من حجم الموازنة، قطع الناير أنها نسبة مقدّرة وكبيرة، لافتاً إلى أنه لا يعرف حجم الناتج المحلي الإجمالي حتى يتم قياس العجز به حتى الآن وعزا ذلك لغياب المعلومة، وقطع بأن الموازنة تعاني من عدة إشكالات بدء من تأخر إجازتها نسبة لعدم اكتمال هياكل السلطة الانتقالية وعدم تمليك وسائل الإعلام مشروع الموازنة قبل الإجازة حتى تستطيع أن تحلل أن كانت موازنة واقعية أم غير واقعية، ورأى أنه طالما العام الماضي لم تتحقق الأهداف وتمت زيادة الموازنة بنسبة 100% من الصعب تحقيق أهداف موازنة العام 2023، أو وصفها بأنها واقعية وقابلة للتطبيق باعتبار أن كل القرارات التي أُصدِرت في العام الماضي من زيادة في الرسوم والضرائب وغيرها قد لا تتاح في العام الحالي باعتبار أن الوضع الاقتصادي في السودان أصبح مصاباً بالكساد والركود التضخمي.
أداء الموازنة بالأرقام
بدوره دعا خبير الضرائب ومدير الديوان الأسبق، د. أحمد سالم للتوقف عند تصريح وزير المالية بأن حجم الموازنة لهذا العام بلغ “5” ترليون جنيه، وأنها موازنة واقعية تعتمد على الإيرادات الذاتية.
وقلَّل د. سالم من هذا الرقم قائلاً: إن الموازنة غير واقعية وستكون ضعيفة الإيرادات الذاتية ولا يمكن تحقيق هذا المبلغ الكبير المخطط له، وذلك من خلال قراءة أرقام الأداء للميزانية في السنوات الماضية، وزاد: “يتضح حجم الخلل والتدهور الذي أصاب الاقتصاد السوداني ومدى عجز وزارة المالية في تنفيذ الميزانية للفترة من “2017 – 2022م”.
وقال سالم: في 2017 كان الأداء الفعلي للميزانية 93 مليار جنيه، وكان المخطط له 84 مليار، بعجز يعادل 9 مليار جنيه، وفي 2018 كان الأداء الفعلي للميزانية 163 مليار جنيه، وكان المخطط له 127 مليار جنيه، بعجز يقدر بمبلغ 36 مليار جنيه، وفي 2019 كان الأداء الفعلي للميزانية 217 مليار جنيه، وكان المخطط له 195 مليار جنيه، بعجز يقدر بمبلغ 22 مليار جنيه، مؤكداً أن العجز في الميزانية في السنوات المذكورة ناتج عن زيادة في الصرف عما هو مخطط له.
أما في 2020 كان الأداء الفعلي للميزانية 448 مليار جنيه، وكان المخطط له 641 مليار جنيه، بنقص يقدر بمبلغ 193 مليار جنيه، وفي 2021 كان الأداء الفعلي للميزانية 1412 مليار جنيه، وكان المخطط له 2475 مليار جنيه، بنقص في الميزانية يقدر بمبلغ 1063 مليار جنيه، ويتضح أن العجز في هذه السنوات بالسالب لما خطط له وليس بالزيادة كما في السنوات السابقة، مما انعكس سلباً على الصرف في الخدمات ومشروعات التنمية والبنى التحتية.
أما في العام 2022 فقد كان الربط المخطط له مبلغ 3,206 مليار جنيه، ولكن حتى الآن لم يصدر تقرير الأداء الفعلي لمعرفة العجز في تنفيذ الميزانية السابقة، وقطع بأنه لن يكون أفضل من السنتين السابقتين، وتعطي هذه القراءة مؤشرات سالبة في إدارة الملف الإقتصادى تتضح في تدني الإيرادات الذاتية وتوقف شبه كامل للقروض والدعم الدولي وانخفاض ملحوظ في الطلب على السلع والخدمات نسبة لغلاء الأسعار.
تراجع سنوي
بدوره قال المحلِّل الاقتصادي د. هيثم فتحي: إن البلاد تعاني منذ فترة تراجع في مؤشرات الاقتصاد الكلي، مشيرًا لوجود أزمة في ميزان المدفوعات وعجز في الموازنة وارتفاع في مستويات البطالة وتعطل مهم في الصناعات التحويلية ولم تتمكن منذ الثورة من التوصل إلى معالجات مؤقتة لمشاكلها العاجلة خاصة أن الاقتصاد السوداني ومنذ زمن اعتمد على المعونات والتسهيلات التمويلية الميسَّرة التي تقدمها البلدان والمنظمات التمويلية والاستثمارية الدولية، ونوَّه إلى أنه ومنذ اندلاع الثورة لم يتحقق خلالها أي تطور إيجابي في الأوضاع الاقتصادية أو مستويات المعيشة، بل تراجعت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتأزمت من دون استشراف لأي تحولات إيجابية.
وأوضح فتحي أن موازنة العام الحالي، ستتبع ذات المنهج السابق بالمبالغة في تضخيم الإيرادات والمصروفات، ما يقود للتدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد حالياً، وحتى الآن لم تطلعنا الحكومة بكيفية تقليل عجز الموازنة وخفض الاستدانة من النظام المصرفي، والوفاء بتعويضات العاملين في الدولة، ومقابلة التزامات السودان الخارجية سواءً في الهيئات الدبلوماسية أو الملحقيات العسكرية والعلاقات مع المنظمات الدولية عبر سياسة مالية ونقدية متفق عليها
من خلال موجهات موازنة 2023م تتطابق مع الموازنات السابقة للحكومة الانتقالية، ولم تعطِ أي بارقة أمل في انفراج الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان خاصة مع عدم الاستقرار السياسي والأمني والإداري لدولاب العمل في الدولة لذلك لا أستبعد أن تستمر سياسة الاستدانة من النظام المصرفي لتغطية عجز الموازنة مما سيؤثر على سعر صرف الجنيه وأيضاً على التضخم، وهكذا فالموازنة للعام الجاري ستعكس أزمة الاقتصاد السوداني، وفي تقديري أن الوضع السياسي والأمني الذي يعيشه السودان غير قادر على إعطاء أي مؤشرات لكي نتوقع قراءة للموازنة، حيث أن الوضع السياسي الآن مضطرب مما يجعل توقعاتنا سالبة حول الموازنة خاصة عدم وجود إنتاج حقيقي وبيئة غير مشجعة للإنتاج والاستثمار وتراكم تحديات في الضرائب والجمارك والصادرات والنقل والتوزيع واستشراء الفساد المالي والإداري.
الحكومة الانتقالية في حاجة لمساعدات كبيرة وعاجلة من العالم الخارجي، لافتاً إلى أن الضرائب والجمارك ورسوم الخدمات والتي تشكل في مجملها الإيرادات الذاتية للدولة تعتمد في الأساس على العملية الإنتاجية في مجال السلع والخدمات والتي تشجع حركة التجارة والنقل داخلياً وتزيد من عملية الصادر والوارد خارجياً والواضح للمراقبين خلال هذه السنوات التي لم ينعم فيها السودان بموازنة سنوية ثابتة وخطة مالية تدعم الإصلاح والتطور بالملف الاقتصادي
انخفاض الإيرادات الذاتية حتى بلغت في 2020 أقل من 50% من الربط المخطط له وليس أمام وزارة المالية إلا الاستدانة من الجهاز المصرفي لسد عجز الموازنة والذي سيؤدى لزيادة حجم الكتلة النقدية لأن الحصول على القروض والمنح والهبات غير متاح لارتفاع حجم الديون الخارجية الذي بلغ ما يزيد عن ستين مليار دولار.