12 يناير 2023
على الرغم من توقيع المكون العسكري وأحزاب سياسية وتنظيمات مدنية على الاتفاق السياسي الإطاري المفضي لتسوية سياسية شاملة لحل الأزمة السياسية السودانية.
في تقديري، رغم جهود جبارة بُذلت من تحالفات واحزاب وشخصيات وطنية، إلا أن التدخل الخارجي في الشأن الوطني الداخلي كان وما زال له تداعيات وآثار سلبية خطيرة على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي وبسببه زادت حدة الخلافات واتّسعت الهوة بين الفرقاء ووصلت الى حد وصم كل طرف الآخر بالعمالة والارتزاق والارتهان للخارج ومما زاد الوضع تعقيداً، انحياز المبعوث الأممي فولكر لمجموعة الحرية والتغيير المجلس المركزي بحيث أعطاهم دافعا لاقصاء وتهميش قوى فاعلة أخرى لعبت دوراً بارزاً في التغيير وهذا جعل من فرضية تراجع قحت وتقديم التنازلات واستصحاب الآخرين ليكونوا جزءاً من التسوية أمراً في غاية الصعوبة، ومن شأن ذلك مزيد من الانشقاقات والتشظي وتعميق الخلاف بين السودانيين.
لا شك، إن فولكر تجاوز تفويضه ولعب دوراً أشبه بدور بول بريمر في العراق إبان الحرب الكويتية العراقية، وقد قام بريمر بحل الجيش العراقي بدواعي الإصلاح، كما عمل على تفكيك مؤسسات مهمة لم تتعاف رغم مرور عشرات السنين من انتهاء الوصايا الامريكية على العراق، ومن المعروف ان دور فولكر وفقاً للقرارات الأممية التوسط بين الأطراف كطرف ثالث مسهل ومحايد من أجل أن يصل الأطراف لحلول وطنية وبإرادة سياسية وطنية مستقلة، وكان يجب أن تختصر مهمته على اقتراح الحلول وعرضها على الأطراف دون إملاء أو ممارسة ضغوط دبلوماسية بالتهديد تارة وبالجزرة تارة أخرى، ومحاولات فولكر “النرجسية” المُتسلِّطة جعلته يلعب دور الألفة والحاكم والقائد والوصي!!!
هناك دراسة في علم النفس الاجتماعي، أشارت إلى أنه عندما تكون هناك مجموعة من الأشخاص دون قائد يحكمها، يمكنك في كثير من الأحيان الاعتماد على إحدى الشخصيات النرجسية لتولي المسؤولية. وقد تَوَصّلَ الباحثون إلى حقيقة أن الأشخاص الذين على درجة عالية من النرجسية يميلون إلى السيطرة على المجموعات التي بدون قيادة، وفي إطار ذلك ذكر “سيغموند فرويد” أن النوع النرجسي وبخاصة ذلك النوع الذي يلائم أن يعمل بمثابة داعم للآخرين، يتّجه ليلعب دور القائد وإقناع الآخرين باعتبارهم “شخصيات”. وقد يرجع أحد أسباب ذلك إلى أن “النرجسية” التي يتمتّع بها شخص آخر ذات جاذبية كبيرة بالنسبة لأولئك الذين تخلوا عن جزء خاص بهم.
وواحدة من صفات الرجل النرجسي “عدم القدرة على فهم وجهة نظر الآخرين ويفتقر على العقلانية، فهو غير قادر على تقبُّل الاختلاف في الرأي ويتمسّك دومًا بوجهة نظره فقط ويرى نفسه دائمًا على حق”.
ليس ثمة فوارق جوهرية بين بول بريمر وفولكر، والناظر أن أغلب الأحزاب والكيانات التي رفضت التوقيع أو الاعتراف بالاتفاق الإطاري انحصر خلافهم حول شخص فولكر، ودوره “المزعزع” للاستقرار، وانتهاكه لسيادة القانون، وأسلوبه الاستعلائي الذي يتمحور حول شخصه بالأساس، وبصرف النظر عن مرجعيته الإيديولوجية، إلا أنّ مواقف الأحزاب اليمينية واليسارية تكاد تتلاقى في هذا الموقف.
وعليه، فالجميع أمام تحدٍ كبير وهو ضرورة جعل الحل وطنياً خالصاً بعيداً عن التدخُّلات الخارجية، وهذا هو الخيار الوحيد وهو تحدٍ لا يجُوز بأيِّ حال من الأحوال التقليل من شأنه.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،