صلاح الدين عووضة يكتب : جناب العمدة!
12 يناير 2023
أو جناب السفير..
سفير أمريكا عندنا هنا في الخرطوم..
فهو بات يذكِّرني بقصة سمعتها عن أحد عُمد منطقة الشايقية..
فمهام العمدة معروفة..
ولكن بعض أبناء منطقته هذه اختلطت في أذهانهم مهامه إلى حدٍّ مضحك..
وصباح يوم جاءه زوجان يحتكمان إليه في نزاع..
فابتدر الزوج قائلاً: يا جناب العمدة؛ آمنة دي ما بتسمع كلامي ضُمَّة..
فسأله العمدة بضيق: كلام شنو؟..
فمضى الزوج قائلاً: أنا قلت الجمعة ختان الولد وهي بتقول يوم تاني..
فالتفت العمدة إلى الزوجة ليسمع منها..
فقالت: يا جناب العمدة الشيخ عمل الخيرة وقال الختان يكون يوم السبت..
فصاح العمدة في وجهيهما: بس… بس… بس خلاص..
ثم أضاف غاضباً: حتى مشاكل طهور وليداتكم عايزين العمدة يحلها ليكم؟..
ورغم ذلك ساعدهما في الاتفاق على يومٍ بعينه..
وحين هما بالانصراف ناداهما وهو يكاد يتميز من الغيظ..
ثم قال وهو يصر على أسنانه: لو عيسى الطهار ما جاكم تعالوا كلموني..
فسأله خضر دهشاً: ليه يا جناب العمدة؟..
فأجاب العمدة وهو يضغط على كلماته الساخرة: عشان أجهز موسي..
وننتقل الآن إلى جناب السفير..
فمهام السفير – أي سفير – معروفة… ومعلومة؛ تماماً كمهام العمدة..
إلا أنه بات أشبه بعمدة الشايقية ذاك..
وفضل توسيع مظلة مهامه هذه – حتى شملت الخصوصيات – يعود لقحت..
وخصوصيات الدول ليست كخصوصيات الأسر..
فهي تنتهك السيادة الوطنية للدول… وتحيل حكوماتها إلى مجرد متفرج..
والآن حكومتنا تتفرج على تدخلات السفراء..
سفراء كلٍّ من النرويج… وبريطانيا… وأمريكا……. في شأننا الداخلي..
وإن كان سفير الأخيرة هذه أشد خطراً..
فهو صار يتدخّل حتى في خلافاتٍ بين المعلمين ووزارة التعليم..
وحكومتنا تتفرج… وأحزابنا تتفرج… ونحن نتفرج..
مع أن تدخلاً مستفزاً كهذا لا يمكن أن يحدث في أي دولة تحترم سيادتها..
وقحت – طبعاً – لا يهمها ذلك في شيء..
بل يعجبها أن يُدير شؤوننا الأجنبي… كما كان الأمر إبان فترة حكمها السابقة..
وكما هو الحال الآن فيما يليها..
والبارحة شاهدت أجنبية ترأس اجتماع قحت بشأن قضية تفكيك نظام الإنقاذ..
أو – على الأقل – كانت تعلم قادتها ماذا يفعلون..
ومن قبل جاءهم مقترح لدستور بلادنا من الخارج واكتفوا هم بالترجمة..
وتكتفي حكومتنا – الآن – بالفرجة..
مع أن تدخلاً كهذا لو حدث في مصر – مثلاً – لما قبلت حكومتها به..
ولما قبلت بمثله أي حكومة محترمة أخرى في الدنيا..
وقبل أيام حدث ذاك الخلاف الكبير بين أعضاء مجلس النواب الأمريكي..
فهل كان بمقدور سفيرنا هناك أن يتدخّل؟..
هل كان يمكن أن يقول لهم ما قاله سفير أمريكا هنا للمعلمين: تعالوا عندي؟..
والمضحك أننا احتفلنا باستقلالنا قبل أيام..
فأين هو الاستقلال هذا وبعض السفراء يبرطعون في ساحات شؤوننا الداخلية؟..
وسفير أمريكا يتدخل حتى في إضراب المعلمين..
ولا أستبعد أن يتدخّل – عما قريب – في نزاعات أسرية تخص قادة قحت..
فما عاد هناك فرقٌ بينهم وبين الخضر وآمنة..
وما عاد ثمة فرقٌ بين جناب السفير الأمريكي وجناب عمدة الشايقية ذاك..
وليستعد جناب السفير لكل الاحتمالات..
وليجهز موسه!.