*من المقولات المعروفة عن التاريخ التي تقال “التاريخ هو العمق الاستراتيجي لمن يبتغي صناعة المجد في الحاضر والمستقبل”. والسودان عرف بتاريخه التليد والقوي في مقاومة الاستعمار الإنجليزي وقبله الحكم الثنائي.
*وتاريخ السودان منذ الاستقلال وحتى الآن به الكثير من المتغيرات، وكذلك به العديد من أوجه الشبه التي قد تشكل لوحة تاريخية عرف بها أهل السودان.
*أذكر جيداً، ونحن في المرحلة الابتدائية كان الخروج للشارع في تظاهرة قليل جداً، ولكنه إن حدث فتأكد أن سبب الخروج ستتم معالجته، وكانت المظاهرات حينها “غير حضارية”، فكان بها تكسير المنشآت والسيارات وغيرها من الأساليب التي يرفضها العقل والمنطق.
*وعلى كل الأحوال لا يخرج المواطن للشارع، إلا حينما يشعر بألم المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية، وهذا ما حدث عند انتفاضة أبريل 1985م وبعدها في ديسمبر 2019م، فهناك العديد من أوجه الشبه بين الانتفاضتين، وكذلك هناك العديد من الاختلافات بينهما.
*في انتفاضة الثمانينات استلم الجيش السلطة وبعدها شكلت حكومة انتقالية ومنها انتخابات حرة ونزيهة ولم تشهد الفترة من استلام الجيش للسلطة وحتى الانتخابات أي أحداث عنف أو مزيد من التردي الاقتصادي.
*وهذا عكس ما حدث بعد ثورة ديسمبر التى عجلت برحيل نظام الإنقاذ في أبريل واستلم المجلس العسكري الحكم في البلاد ومنذ أبريل 2019م وحتى اليوم خواتيم يوليو قرابة الاربعة أشهر ولا زال السودان بدون حكومة تنفيذية “انتقالية” تقود السفينة حتى الوصول إلى شاطئ “الانتخابات”.
*ومنذ استلام المجلس العسكري للحكم لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية، بل زادت سوءاً، وفي كل يوم تشهد الأسواق زيادة مخيفة في الاسعار والمرتب كما هو لا يتغير عن السابق، ومنذ تغيير النظام السابق والشارع لم يهدأ إلا بعض الوقت، في كل يوم نشهد المتاريس والمظاهرات التي راح ضحيتها الكثير من أبناء السودان “نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة”.
*الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً وأزمة الوقود تعود من جديد والخدمات لا تشهد تحسناً والكهرباء أصبح أمرها محيراً جداً، كل هذه الأشياء والإنقاذ رحلت، وكنا نرجو أن يكون الوضع أفضل مما كان عليه طيلة الثلاثين عاماً الماضية.
*على ذكر الكهرباء، كنت قد كتبت أمس الأول عن سوء هذه الخدمات وفشل إدارتها في الفترة الأخيرة، وقلت إن شركة سكر النيل الابيض بإمكانها إنتاج أكثر من عشرين ميغاواط إن وفرت لها وزارة الكهرباء بعض المعينات البسيطة، وأخطاء “الكيبورد” حينما وضع كيلو واط بدلاً عن ميغاواط، ولكن بعض ضعاف النفوس من الفاشلين في العديد من المواقع التي تقلدوها في زمن “الغفلة والمجاملات والواسطات” سخر من ذاك الخطأ.
*طبعاً فطنة القارئ تجعله يدرك المعنى المقصود هو ميغاواط وليس كيلو واط، ولكن يبدو “أن بعض الفاشلين في الحملات الانتخابية الصورية في العهد السابق لا يملكون تلك الفطنة”. ونسأل الله أن يخلص البلاد من أمثال هولاء الذين صعدوا على أكتاف الأكفاء والموهلين أكثر منهم.
*حسناً .. نعود لموضوعنا الأساسي وهو ضرورة أن يتم الإسراع في تشكيل حكومة انتقالية حتى تصلح قليلاً من حال البلد الذي أفسده الكثير من الفاسدين.
*ثوار ديسمبر يجب أن يفكروا جيداً في تلك المقولة في المقدمة وهي ان التاريخ هو العمق الاستراتيجي لمن يبتغي صناعة المجد في الحاضر والمستقبل.