كُلّما اقترب الشريكان من بلوغ نقطة النهاية للمفاوضات المُتطاوِلة بحثاً عن صيغة شراكة لإدارة الفترة الانتقالية, قفزت أمام عربة الشريكين أزمة طارئة عطّلت المسار، وأجَّلت الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة المدنية التي تأثّرت الدولة بغيابها لأكثر من أربعة أشهر..
وبعد أن تقارَبَت المسافات بين الشريكين العسكري وقوى الحرية والتغيير خاصة بعد اعتقالات السلطة العسكرية لقيادات حزب المؤتمر الوطني وإيداعهم السجون كمّتهمين في المُحاولة الانقلابية الأخيرة.. ودخول الشريكين في أعمال وأنشطة سياسية مُشتركة آخرها التفاوُض في جوبا مع الحركة الشعبية بجَناحيْها (الحلو وعقار)..
فجّرت لجنة تقصّي الحقائق التي شكّلها المجلس العسكري الأوضاع والتهب الشارع بالتظاهُرات، وأطلّت دورة العنف والقتل.. وتَبَعاً لذلك توقّفت المفاوضات التي كان مقرراً لها عشية أمس الثلاثاء إلى أجل غير مسمى بطلبٍ من قوى الحرية والتغيير بذريعة وجود وفدها المفاوض في مدينة الأبيض لمواساة أسر شهداء الإثنين الأسود.. وبدأت قوى الحرية والتغيير الضغط بشدة على المجلس العسكري لإرغامه على تقديم تنازُلات وقبول الوثيقة الدستورية التي تسلّمتها الأطراف، وتضمّنت تعديلات جوهرية على الاتفاق السياسي الذي وقّعه الشريكان.. واتّخذت قوى الحرية والتغيير من الدماء التي سالت في الأبيض قميص عثمان, والمجلس العسكري من جهته انخرط في اجتماعات عديدة مساء ونهار أمس الثلاثاء وفرض تكتّماً على تلك اللقاءات باستثناء لقاء نائب رئيس المجلس العسكري ورئيس أركان الجيش الجديد، ولم تستبعِد مصادر عديدة تحدثت أمس لـ”الصيحة” عن بلورة رؤية للمجلس العسكري للإسراع بتشكيل حكومة تصريف أعمال إلى حين الاتفاق السياسي على الحكومة الانتقالية..
وبدا المسرح السوداني قابلاً للتغيرات المفاجئة، وتقلُّب المواقف، وأصبحت حركة الشارع والاحتجاجات مُسيطرة على بوصلة الأحداث في البلاد.. وجاء قرار تأجيل المفاوضات صادماً لقطاعات عريضة من المواطنين كانت تنتظر تشكيل الحكومة المدنية قبل دخول البلاد في عطلة عيد الأضحى المبارك، بيد أن الشريكيْن يوفّران من تِلقاء نفسيْهما أسباب تعطيل مسار قطار شراكتهما كُلّما اقترب من محطة النهاية عاد إلى منتصف المسافة أو نقطة البداية..!