نفذت مجموعات نسوية سودانية، الأحد، وقفة احتجاجية أمام مباني النيابة العامة، تنديدا بتعرض ابنة الأمين العام للجنة إزالة التمكين، الطيب عثمان، للاختطاف والاعتداء الجنسي، واستخدام أجساد النساء كساحة لتصفية الخلافات السياسية، في وقت أعلنت فيه الشرطة اعتقال المتهم الرئيسي، وصاحب العربة التي استخدمت في الجريمة.
وأشارت الشرطة في بيان إلى أنها «تلقت يوم الجمعة، في الساعة العاشرة صباحا بلاغا في قسم الجريف غرب بالخرطوم، أفاد فيه والد الضحية بأن ثلاثة أشخاص قاموا باختطاف ابنته البالغة من العمر 18 سنة بالقرب من آخر محطة في حي المعمورة شرق الخرطوم، بعربة سوداء اللون وتوجهوا بها إلى شرق النيل، حيث تم اغتصابها ومن ثم تمت إعادتها إلى أسفل جسر، شرق الخرطوم (كبري المنشية)».
فريق خاص
وفور وصول البلاغ للشرطة «قام وزير الداخلية المكلف عنان حامد وقادة الشرطة في ولاية الخرطوم بزيارة الأسرة في المستشفى والمعامل الجنائية» وفق البيان، الذي أكد أيضا «تكوين فريق خاص للتحري والبحث، والذي استعان بالمعامل الجنائية والكلاب البوليسية ووسائل التقنية الحديثة، وتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والطبية والفنية اللازمة».
وطبقا للبيان «الفريق المكلف تمكن في زمن قياسي من التعرف على الجناة والقبض على المتهم الرئيسي صاحب العربة، بينما تتواصل التحقيقات».
وتعرضت ابنة عثمان، البالغة من العمر 18 عاما، صباح الجمعة للاختطاف من محطة مواصلات قريبة من المنزل، ومن ثم الاغتصاب من قبل ثلاثة أفراد، قاموا بتحميلها رسائل تهديد لوالدها، مفادها أنهم «قادرون على الوصول إليه».
وحسب تصريحات صحافية لعثمان، قام صبيحة الجمعة، برفقة ابنته بالتوجه إلى محطة المواصلات، حيث استقل الحافلة متوجها للمشاركة في ورشة تحضيرية خاصة بتفكيك نظام الإنقاذ، بينما انتظرت هي وسيلة مواصلات أخرى للذهاب لتلقي فصول تقوية دراسية لجهة تحضيرها لامتحانات الشهادة الثانوية.
ومع تحرك الحافلة التي استقلها، رأى سيارة سوداء تخطت الحافلة. وأبدى والد الضحية حزنه العميق لعدم إدراكه وقتها أن تلك السيارة قامت باختطاف ابنته، مبينا أنها أخبرته أنهم كانوا ثلاثة، قام الذي كان بجوار السائق بالنزول وفتح الباب الخلفي للسيارة قبل أن يدفعها إلى الداخل حيث كان يجلس الثاني في المقعد الخلفي.
ولفت إلى إن ابنته صغيرة الحجم، مما مكنهم من دفعها إلى الداخل، حيث أمسكها المتهم الثالث من حقيبة المدرسة التي كانت تحملها على ظهرها، حيث كانت تصرخ وتستنجد بوالدها والذي لم يسمعها.
وأشار إلى أنهم قاموا بإلقائها تحت جسر المنشية، بعد الاعتداء عليها جنسيا وتمزيق ملابسها، وتعنيفها، مشيرا إلى إنهم لم يستطيعوا اغتصابها بشكل كامل، حسب التقارير الطبية.
وفي رسالة للجهة التي قامت بالاعتداء على ابنته، وتحميلها رسالة له، قال عثمان: «أريد أن أقول له إن رسالتك والجهة التي بعثتك قد وصلت، ونجحتم في لوي ذراعي. يا ليتكم أطلقتم النار على رأسي ورأسها، فنحن لسنا أكرم من الشهداء» مضيفا: «نحن نموت وقوفا ولا ننحني لأي كان».
رسالة سياسية
وأشار إلى أنه وأسرته «سيتماسكون ويقومون بدعم ابنتهم إلى أن تتعافى نفسيا وجسديا».
وأدانت مجموعات نسوية وسياسية ومدنية، في بيان، الاعتداء على ابنة عثمان، واصفة إياه بـ«الفعل الإجرامي والمستهجن» مشيرة إلى أن القصد منه إرسال رسالة سياسية فيها تهديد ووعيد لوالدها ولكل العاملين بتفكيك نظام الإنقاذ، ومضمون الرسالة أن الفاعلين قادرون على إيذاء وإيقاف عمل أعضاء لجنة التفكيك» مضيفة: «لكن من الواضح أنهم لا يعرفون الشعب السوداني».
واعتبرت ما حدث «رسالة فيها احتقار للنساء واستخفاف بهن واستغلالهن كأدوات لتصفية الخصومات».
كما اعتبرته «سلوكا إجرامي وإرهابيا بشعا ليست له علاقة بالخلق السوداني ولا الإنسانية وترويعا وإرهابا لطالبة في طريقها لمدرستها».
ولفتت إلى أن «النظام السابق اعتاد على هذه الأفعال خلال سنين حكمه، وخلال الحروب في دارفور وجبال النوبة والنيل والأزرق وفي الخرطوم».
استهداف الثورة
ورغم أن البيان اعتبر أن هذا الفعل «يستهدف الثورة وأهدافها ويستهدف الثوار ويرمي إلى إيقاف عمل لجنة إزالة التمكين، التي تعتبر روح الثورة وعصبها الحي» أكد في الوقت ذاته أن «تفكيك نظام الإنقاذ سيتم على أكمل وجه».
وزادت المجموعات: «نؤكد نحن كنساء بأن هذه الأفعال الإجرامية واللاأخلاقية لن تخيفنا ولن تثنينا عن مواصلة النضال» وحذرت «من استعمال أجساد النساء كأداة لتصفية أي خصومات».
في السياق، رفضت «مبادرة لا لقهر النساء» الاعتداء واستخدامه لأسباب سياسية، وقالت في بيان: «ليعلم الجبناء أن الثورة مستمرة لانتزاع الحقوق من براثن القتلة والعيش بكرامة ولجميع السودانيين حق مُهِر بدماء الشهداء والشهيدات، ولا تراجع عن تطلعات الشعب المشروعة».
وأضافت: «جريمة الاغتصاب من أبشع الجرائم وقد ارتكبها النظام السابق في دارفور وداخل المعتقلات ومعسكرات النزوح، كما ارتُكبت أثناء فض الاعتصام، وفي عدد من الأوقات والسياقات الأخرى، إلا أنها لم تكسر عزيمة وثبات النساء».
الشرطة أعلنت اعتقال صاحب العربة التي استخدمت في الجريمة
أما كتلة النساء في لجان مقاومة أمدرمان، فبينت أن ذلك الاعتداء «يخفي وراءه حقدا ومكرا وبشاعة، لا تصدر إلاّ ممن يعتبر من يؤيد ثورة ديسمبر عدوه وخصمه، ولا بد أن يزال تماما من المشهد السياسي الآن ومستقبلا».
وأضافت: «الويل كل الويل لمن يحاول أن يُحيل أجساد البنات والنساء لساحة للعملية السياسية» مشددة على «ضرورة الوصول لمرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي للعدالة وتقديم الجناة في قضايا الاغتصاب للمحاكمات العاجلة بواسطة المدعي العام».
بدعة جديدة
في السياق ذاته، ندد الحزب الشيوعي بالاعتداء، واصفا إياه بـ«الجريمة الشنيعة التي تضاف لسجل الجرائم المرتكبة ضد الشعب السوداني».
واعتبر الحادثة «وصمة في التاريخ الاجتماعي السوداني في عهد الحكم الانقلابي» حصلت «في ظل السيولة الأمنية والفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد منذ فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 يونيو/ حزيران 2019».
كما وضع الحادث في سياق «سلسلة الانتهاكات التي حدثت وتحدث بشكل يومي ومستمر ضد الإنسان السوداني سواء أن كان في العاصمة أو في أقاليم السودان المختلفة».
وأضاف أن «ما يزيد من شناعة هذه الجريمة هو استخدام الصراع السياسي في الانتقام المباشر من الأبرياء» معتبرا ذلك «بدعة جديدة في تصفية الخصومة السياسية».
وتابع: «سبقت هذا الاعتداء جرائم وحشية ارتكبت في حق مواطنين سودانيين بسطاء ذبحوا من الوريد إلى الوريد داخل العاصمة، الأمر الذي يشير إلى أن هناك جهات تعمل بمكر وتخطط لجعل حالة الانفلات الأمني واقعاً نعيشه ونتعود عليه إيغالاً في إفساد الوجدان السوداني».
وأعلن تضامنه مع ضحية الاعتداء، محملا والي الخرطوم بصفته رئيس اللجنة الأمنية مسؤولية الكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة ووقف التدهور الأمني.
وزاد بيان الشيوعي «نحن على يقين أن الطريق للعدالة هو إسقاط الانقلاب الذي لن يتم إلا عبر التنظيم والعمل المؤسس وبناء التنظيمات الجماهيرية التي ستقود إلى استعادة دولة الحرية والسلام والعدالة الاجتماعية».
وجاءت حادثة الاعتداء على ابنة عثمان بالتزامن مع عقد مؤتمر خاص بإزالة تمكين نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، اليوم الإثنين، ينتظر أن يضع خريطة طريق لتجديد عملية تفكيك المنظومة الاقتصادية الضخمة لأركان النظام السابق في السودان.
ويشارك في المؤتمر أعضاء لجنة إزالة التمكين التي نشطت في عهد الفترة الانتقالية، وصادرت العديد من ممتلكات قادة النظام السابق، وفككت المؤسسات التي قالت إنها «تعمل كواجهة للإسلاميين» وذلك قبل أن يقوم القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان بتجميد نشاطها عقب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، والإفراج لاحقا عن عدد من قادة نظام البشير، وإعادة ممتلكات آخرين.
تحول خطير
واتهم عضو لجنة إزالة التمكين صلاح مناع، في تغريدة على حسابه في «تويتر» حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم في نظام البشير) والأمن الشعبي الذي تم تكوينه في عهد النظام السابق من المناصرين للحركة الإسلامية.
وقال إن «ما حدث لأحد أفراد أسرة عضو في لجنة إزالة التمكين، مع بداية أعمال الورشة التمهيدية للتفكيك، يعتبر تحولا خطيرا في الصراع ضد المؤتمر الوطني والأمن الشعبي» مشيرا إلى أن «رسالتهم وصلت بأن قرار المواجهة والاستهداف الشخصي قد تم اتخاذه».
وأنشئت لجنة إزالة التمكين، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بقرار سيادي، إنفاذاً لقانون أقره مجلس الوزراء، لتفكيك نظام عمر البشير، وحظر نشاط قياداته ومصادرة أموالهم.
ووفق القرار، تم تعيين العضو العسكري في مجلس السيادة ياسر العطا، رئيسا للجنة إزالة التمكين، والعضو المدني في المجلس محمد الفكي نائبا له، ووزير شؤون مجلس الوزراء عمر مانيس مقررا، والذي حل محله الوزير الذي أعقبه خالد عمر، بالإضافة إلى أعضاء من وزارات الدفاع والداخلية والعدل والمالية والحكم الاتحادي والبنك المركزي وديوان المراجع القومي والمخابرات العامة والدعم السريع وقوى «الحرية والتغيير».
الخرطوم ـ «القدس العربي»: