وردي والدوش: وأسأل عن بلد مجروح.. وعارف الجارحو ليه جارح
(1)
غنى الموسيقار محمد وردي للدوش “الود” عام 1965، ثم غنى له عام 1973 “بناديها”، وفي عام 1978 غنى له “الحزن القديم”. وفي عام 1992 غنى له “بلد رايح”، وهي أغنية جميلة سجلها على شريط فيديو في القاهرة. وما مِن شاعر مثل الراحل عمر الطيّب الدوش، استطاع أن يجعل الشِّعرَ فارس القضية الذي يرمي سهامه فتُصيب، ويستنطق الأحرف والكلمات فتتداعى وتستجيب، سهلةً وبليغةً ونافذة، تصوِّر الفجيعة فتُحسن تصويرها، وترسم المأساة فتُجيد رسمها، وتمثّل الواقع؛ مسرح البؤس والشقاء والزيف والنفاق والتناقض، فكأنّما شخوصه ورموزه هي التي نراها بيننا بتفاعلاتها وصراعها اللا نهائي، في صورةٍ ليس للأصل بدونها اكتمال.. تصويراً لمشاهد ومواقف وتفاصيل مألوفة، بمفردات وتعابير غير مألوفة.
(2)
الدوش عندو تعابير مدهشة لحد الحيرة. نفس كلامنا المتداول في الحياة اليومية بتحول معاهو لحاجة مختلفة ومبهرة.. ولأن الدوش كان مسكوناً بمعاني الإنسانية وفضائل الحق وأفكار الثورة والحرية، فقد كانت نبرة القصيد عندهُ ثائرةً في هتافها وصارخةً في بوْحِها، لا تهِن ولا تهدأ ولا تستكين، بل تظلُّ دوماً في تأهُّبٍ وعنادٍ وكبرياء.. تطارد حلمه ببلاده التي يتمناها، فتأتي كلماته أوجاعاً وشكوى وبكاءً على الوطن الحلم، ونقوشاً على جدار محنته المريرة، وأبوابِ بيوته الفقيرة، وتقاسيم أحزانه الكبيرة.
(3)
وقد أعطى الحسُّ المسرحي الدافق، روحاً أخرى لقصائد الدوش، ومنحها هذه الحركة التي تضجُّ بها، وجعل في كل قصيدة منها مسرحاً مكتمل الأركان، تُلهب الخيالَ صوره، وتحكي تأويلاته ورمزية إشاراته عن عبقرية الإيحاء وعمق الفكرة وقوّة الإلهام.. لتمنح القلب ارتواءً من فيض التأمّل وتشغفه ظمأً بما تبثّه فيه من ألق وافتتان ودهشة وجمال.. الدوش رهن حياته ومفرداته لقضية آمن بها فشكلت تفاصيلها سيرته بين الناس كان الوطن تعويذته التى يجيد قراءة طلاسمها ورُقيته الى نافح بها الزمن القاسي.