معادلة الولاء والانتماء: الأحزاب السياسية.. الخلافات تهدِّد وحدة السودان
تقرير- صبري جبور
مما لا شك فيه أن المرحلة المقبلة تتطلب الاتفاق والتوافق حول القضايا الوطنية والخروج بالبلاد إلى بر الأمان، لكن الخلافات والصراعات الداخلية التي تشهدها الأحزاب السياسية السودانية منذ أمد بعيد، تشكِّل تهديداً للوحدة السودانية، الأمر الذي يجعل من الجميع تناسي الخلافات السابقة بين الأطراف المدنية التي أقعدت بالبلاد، كما أفرزت مظاهر سالبة وهو الانتماء الضيِّق للقبيلة وليس الوطن الذي يسع الجميع. يأمل السودانيون في أن يصل قطار الاتفاق الإطاري إلى حلول للأزمة السياسية وقبلها توافق الجميع ووحدة الكلمة والصف، وصولاً إلى مرحلة انتقالية تعالج كثيراً من القضايا والمشاكل الاقتصادية، ومن ثم الولوج إلى الانتخابات التي يختار فيها الشعب السوداني من يمثله ويحكمه. فيما يرى خبراء ومختصون أن هذه الخلافات والصراعات أصبحت سمة لكل الأحزاب السياسية، مشيرين إلى أن هذه الانقسامات من أجل مصلحة فئة محدَّدة تريد استمرار الوضع الموجود كما عليه، وأيضاً تتهم جهات خارجية لها مصالح في أن تظل الأحزاب السياسية في حالة خلافات مستمرة، حتى لا يتوحَّد السودانيون تحت راية الوطن السودان.
تجاوز الخلافات
رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، دعا خلال كلمة ألقاها مساء (السبت) بمناسبة ذكرى الاستقلال الـ67 للبلاد، على ضرورة جمع الصف الوطني ووحدة الكلمة والجبهة الداخلية، واتخاذ الحوار الجاد والموضوعي وسيلة لتجاوز الخلافات والصراعات.
وقال: تحل علينا هذه الذكرى المجيدة، وبلادنا تستشرف مرحلة جديدة نتطلع فيها لتوسيع قاعدة التوافق السياسي حتى يُمهد الطريق لخطوات أخرى مُهِمة لمُناقشة وحَسم القضايا الجوهرية التي حدَّدها الاتفاق الإطاري لنضع جميعاً أسس ومعايير تشكيل الحكومة، وبرنامج الانتقال الذي يُهيئ البلاد للانتخابات العامة بنهاية الفترة الانتقالية.
شدَّد البرهان على أن الجميع يُدرك الظروف الاستثنائية، التي تمر بها البلاد وتسببت في زيادة المعاناة على معظم قِطاعات الشعب.
وأضاف: ونُحن إذ نُقدر هذه المُعاناة ونؤكد التزامنا الذي أعلناه في 4 يوليو الماضي، بخروج المؤسسة العسكرية نهائيًا من العملية السياسية مع التزامنا بحماية الفترة الانتقالية استجابة للمطالب الثورية وضرورات الانتقال.
وتمنى رئيس مجلس السيادة تكوين حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية المستقلة، برامجها الأساسية إيجاد حلول عاجلة للمشاكل الاقتصادية، والعمل على استكمال بناء السلام وتحقيق الأمن والاستقرار، وتهيئة السودان للانتخابات مع توحيد اللحمة الوطنية.
التصارع الداخلي
يقول المحلِّل السياسي محمد علي عثمان، في إفادة لـ(الصيحة)، إن سيكولوجية الأحزاب السياسية السودانية بنيت على الخلاف والتصارع الداخلي على مدار تاريخ السياسة بالسودان. وأضاف عثمان: ” هذا السلوك انعكس على واقع الحالة العامة للسياسة في السودان بعد الإطاحة بنظام الإنقاذ الذي استمر حكمه الثلاثة عقود، بعده عشنا خلافات حزبية ساهمت في فشل الفترة الانتقالية حتى الآن.
ويؤكد محمد علي، أن تحالف الحرية والتغيير انقسم إلى قسمين نتيجة لتلكم الصراعات، وكذا بالنظر إلى مجموعة الأحزاب السياسية نرى ذلكم الشقاق. وتابع: “لايخفى على أحد إذا العملية السياسية برمتها في السودان محتاجة إعادة صياغة منهجية وفكرية وأدبية”.
شدَّد عثمان على ضرورة التوافق خلال الفترة المقبلة، من أجل أن يستقر السودان سياسياً واقتصادياً، بجانب إحلال السلام الشامل في كل ربوع البلاد.
أحزاب مصنوعة
يؤكد المحلِّل السياسي أحمد عابدين، في إفادة لـ(الصيحة)، بالمعنى الحقيقي والممارسة العملية ليس لدينا أحزاب سياسية، بل مجموعات تتجمَّع لتكوين تنظيم وتدبج في تأسيسه كل المعاني التي يجب أن تتوفر في أرقى الأحزاب والتي تقوم على التنافس لإقناع المواطن بالنية في خدمته والبلد، ثم عند الممارسة يكتشف الشعب أنه أمام مجموعة تكذب عليه. وقال: هذا الوضع خلق تراكم أخطاء مقصودة فخلق من داخله ثقافة تُستخدم للتنافس لأجل الوصول للسلطة وبعدها تتصارع المجموعات حتى داخل الحزب الواحد والنتيجة تمر الأيام والشهور والسنين في مناكفة وصراعات وإهمال للوطن والمواطن، فتفشل التجارب الحزبية في إدارة الدولة وكنتيجة حتمية لهذا الفشل يقوم الجيش بمساعدة حزب أو جماعة بالاستيلاء على السلطة للحفاظ على الوطن فتنشئ سلطة الكبت وغياب دولة القانون والعدالة وهكذا تدور الدائرة إلى يومنا هذا”.
ويؤكد عابدين “تظل أحزابنا السياسية فاشلة وعدمية الإنتاج طالما لم تتخلص من ثقافة أن الوصول للسلطة والانتصار للآيديولوجيا دون حقوق الناس والوطن هي الأولوية، ستظل بلادنا في مؤخرة البلدان وشعبنا يكابد الضنك والتعب وإمكانياتنا المهولة مهدرة.
لافتاً النظر إلى أن من أهم مرتكزات الدولة المدنية تكمن في الممارسة السياسية الراشدة عبر أحزاب ديموقراطية حقيقية تقبل التنافس وتؤمن بنتائجه متخلية عن سياسة الإقصاء ورفض الآخر والبحث عن وسائل الوفاق بدل تأسيس خطاب الرفض والاستعلاء وتكبير الذات.
نهج نخبوي
ويواصل عابدين في حديثه لـ(الصحيفة) ما لم تراجع الأحزاب التاريخ وتتخلى عن نهج النخبوية وتؤسس لتنظيمات تصنع وترعى قيادة وطنية شابة متسلحة بالعلم والمعرفة وسعة الأفق وطموحة، مشيراً إلى إن إدمان استغلال أقصر الطرق للوصول للسلطة هو مايجعل الوطن الآن في أيدي الخارج فتُملي علينا الشروط ونحن صاغرين فنُقنن لنهب ثرواتنا وإباحة سيادتنا والتسليم بالدولة المُتحكم فيها. وأبان هذا الوضع إذا استمر سنرى القبلية تتفشى والولاء للوطن سيضمحل ويحل محله الانتماء الضيِّق وبعدها ستشكَّل الحكومة وفق إرادة القبائل ولن نجني إلا تمزيق البلد إلى دويلات، وهذه ستتناحر فيما بينها وفي داخلها فيموت السودان وترثه شعوب أخرى ودول تسعى في الأساس لهذا الهدف منذ قديم الزمان.
طريق الهاوية
الخبير والمختص في العلاقات الدولية، الدكتور محمد أبوالسعود، يشدِّد على ضرورة التوافق الوطني من أجل تحقيق التحوُّل الديموقراطي، وأشار إلى أن التحديات الراهنة التي تواجه البلاد، تستوجب تنازل القوى السياسية من أجل يكون الوطن أولاً، لافتاً إلى أن ما يحدث الآن هو طريق نحو الهاوية، وما يحدث من نزاعات في الغرب والشرق وإقليم النيل الأزرق وغرب كردفان هي علامة فارقة نحو الانحدار من الغبن وعدم التعايش بين الأهالي والمواطنين مع بعضهم والبعض بحجة امتلاك الحواكير وحيازتها لفئة دون أخرى.
وأكد أبو السعود، عدم تخوين كل من يدعو إلى الهداية والنصح، لأن البلاد أصبحت طاردة والصوت السلبي هو الأعلى من خلال القبلية والعنصرية البغيضة التي لا تقدِّم ولا تؤخر، وأوضح أبو السعود أن البلاد موعودة بالخير وتحسين مستوى الاقتصاد إذا تم الحفاظ على الأمان والسلام الاجتماعي وتشكيل حكومة جديدة من كفاءات وطنية مدعومة من الجميع لتسهيل مهامها، ونؤكد دعمنا الكامل للاتفاق الإطاري إذا كانت مصلحة البلد تقتضي ذلك وبقبول الجميع، لأن الحل أحسن من اللا حل.
معادلة الانتماء والولاء
من جانبه يقول المحلِّل السياسي الفاتح محجوب، إن السودان ورث من حكومة المستعمر البريطاني نظام الديموقراطية البرلمانية الذي يستند على الأحزاب السياسية من دون أن يرث الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أنتجت تلك الأحزاب السياسية في بريطانيا والنتيجة هي أن الأحزاب السياسية السودانية تكوَّنت وفق معادلة الولاء الطائفي، كما في حزبي الأمة والاتحادي أو وفق معادلة الانتماء للدين، كما في الأحزاب السلفية والأخرى التي تفرَّعت عن الإخوان المسلمين أو وفق معادلة الانتماء للقومية العربية، كما في حالة البعث والناصريين أو الانتماء العرقي والجهوي، كما في أحزاب المناطق التي بها قوميات غير عربية، كما في أحزاب جنوب السودان ودارفور أو أحزاب شرق السودان وجبال النوبة.
وغابت تماماً الأحزاب السياسية القائمة على البرنامج السياسي أو الاقتصادي.
ويؤكد محجوب في إفادته لـ(الصيحة) هذه البيئة التي أنتجت تلك الأحزاب السياسية السودانية هي -أيضاً- بيئة زاهرة للانشقاق السياسي، لأن المنشق يعامل -أحياناً- معاملة الند للند مع زعماء حزبه القديم، وبالتالي ينال فرص أفضل في الثراء والحصول على المنصب الدستوري، كما أن نظام الاحتكار للمناصب العليا في أحزاب الطائفة الدينية يساعد على الانشقاقات من تلك الأحزاب”.