سراج الدين مصطفى يكتب: شمت محمد نور.. مبدعٌ متجدد!!
(1)
تجدني أتوقف بإعجاب كبير عند تجربة الموسيقار شمت محمد نور عضو فرقة عقد الجلاد الغنائية..فهو ـ بتقديري ـ واحد من قلائل قادر على أن يصنع جملة موسيقية جديدة وحديثة في كل مكوناتها وتفاصيلها.. ومن يستمع للألحان التي وضعها للفرقة يلحظ أنه مؤلف موسيقي يجيد سبكة الأغنية ويجعلها متكاملة من حيث المفردة واللحن العميق.. فهو يتقن اختيار المفردات التي يلحنها.. فكل أغنية من أغنياته تحكي عن ذائقة فنية عالية الجودة والتقنية.
(2)
ثمة أغنيات جديدة دفع بها شمت محمد نور للمستمع بداية من تبتبا ـ يابا مع السلامة وأخيراً أغنية ست البيت ونتمناك موحد .. ومن يتوقّف عند تلك الأغنيات يلحظ قدرته الفائقة على اختيار الأشعار وهي كلها تقريباً للشاعر الكبير محجوب شريف .. وما يجمع شمت ومحجوب شريف هو أقرب للثنائية الوجدانية والتوافق والانسجام المدهش.
الطريقة التي يؤلف بها شمت محمد نور موسيقاه سبقه غيره في ذلك، لكن هنالك أشكال وعناصر جديدة أدخلها جعلت أغنياته تتميز عن موسيقى الآخرين في شكل الطرح والقالب الأدائي الذي تقدم به، وهو بذلك قد حقق نوعاً من الريادة بفضل القواعد الجديدة التي أرساها في طريقة تفكيره لوضع موسيقاه حتى يكون نسيج وحده.. مع الوضع في الاعتبار أن عقد الجلاد حوت ثمة مدارس لحنية سبقته في وضع موسيقى الأغاني.
وإذا تأمّلنا تجربة شمت محمد نور في التأليف الموسيقي، نجدها تجتمع تحت عنوان واحد هو التحرر، فأصبحت السمة الأساسية أنه لا توجد قاعدة، فقد تحرّر في تأليفه الموسيقي من القوالب القديمة للموسيقى البحتة والكلاسيكية.
(3)
أغنيات شمت محمد نور تمتاز بخصائص عديدة لا تتوافر لغيره من الملحنين.. ويأتي في أول ذلك أنه يحصر الأغنية في زمن أدائي محدد لا يتجاوز بضع دقائق يحشد فيها كل أفكاره من حيث المفردة الشعرية والجملة الموسيقية فتصبح الأغنية عبارة عن كبسولة مضغوطة دونما خلل يؤثر على طرحها العام وأفكارها المراد توصيلها.. لذلك تأتي في شكل جرعة سماعية مناسبة ومتناسقة مع إستايل الفرقة والشكل الغنائي الجديد الذي جاء به الموصلي ليحرر الأغنية من التفاصيل.
(4)
استخدم شمت في أغنياته وألحانه إمكانات مختلفة للتعبير، وقد أثرى بذلك التفكير حركة الموسيقى عموماً، فلجأ إلى توظيف الأداء الموسيقي بالاهتمام بالصوت البشري وإدخال إيقاعات جديدة وتراكيب ميلودية مبتكرة تثري حركة الصوت في طريقة التراص الصوتي للفرقة.
(5)
أدخل شمت مقاطع صوتية فيما ليس لا بغناء ولا بآهات أو همهمات أو ما شابه ذلك، وإنما كلمات قصيرة قد تكون كلمة واحدة يؤديها صوت كورال أو صوت فردي للحظات وسط القطعة الموسيقية، ففي أغنية ست البيت نجد كلمة (القرقريبة قريبة).
شمت محمد نور عموماً يعرف كيف يستفيد من الصوت البشري كأداة وسط المنظومة ليؤدي عدة وظائف حسب موقعه، فهو تارة لتأكيد إيقاعية الجملة بما للكلمات من وقع موسيقي، وتارة لترديد نغمة شعبية، وأخرى لتأكيد غنائية مقطع بعينه. وإدخال مثل هذه المقاطع الصوتية في منظومات موسيقية ابتكار جديد.
التوقف في تجربة الموسيقار شمت محمد نور هو نوع من التوقف عند شاب جميل يحمل قسمات إبداعية جديدة.. وفي ظني هو قادر على أن يكتب سطوراً مغايرة في تاريخ الموسيقى وذلك بفضل قدراته المتجاوزة التي يكاد ينعدم مثيلها.. وعقد الجلاد التي يوجد بها أمثال شمت لا يحق لها أن تحزن لأي سبب، فهو قادرٌ على أن يؤلف موسيقى ذات قدرة على التحليق في فضاء شاسع ومتسع.