السفير الصادق المقلي يكتب: شتان بين اتفاق يشرعن الانقلاب وآخر ينهي الانقلاب
كلام غريب جداً صدر عن بعض المعارضين للاتفاق الإطاري باعتبار أنه إعادة لإنتاج اتفاق البرهان- حمدوك… ولعل هؤلاء أما أنهم لم يتطلعوا على تفاصيل الاتفاق الإطاري، أو يذهبون إلى مثل هذا القول من باب المكابرة ودفن الرؤوس في الرمال.
ليس هناك أدنى صلة أو مقارنة بين اتفاق البرهان حمدوك والاتفاق الإطاري. اتفاق البرهان حمدوك يقوم على، شرعنة انقلاب أكتوبر وبقاء المكوِّن العسكري في السلطة والوثيقة الدستورية التي تتضمَّن في مادتها ٨٠ على الشراكة بين المكوِّن والمدني. ولا تتحدث عن وضعية شركات القوات النظامية ذات الطابع المدني ولا العدالة الانتقالية، اتفاق البرهان حمدوك ينص على بقاء العسكر في السلطة بينما ينص الاتفاق الإطاري على ذهاب العسكر الثكنات ومغادرتهم نهائياً السلطة وقف حد الدائرة الشريرة، وبينما يعمل اتفاق البرهان حمدوك على شرعنة الانقلاب في أول فقرة له، نصها أن الاتفاق يؤسس على إجراءات ٢٥ أكتوبر، عبارة (تأسيساً على إجراءات ٢٥ أكتوبر) بينما ينص الاتفاق الإطاري على إنهاء الانقلاب وتشكيل مدني بحت لكافة هياكل السلطة، بل حتى مجلس الأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء وأن رأس الدولة المدني هو القائد العام للقوات المسلحة، كما ينص أيلولة كل الشركات ذات الطابع المدني لوزارة المالية.
وأهم من ذلك وضع حد لتعدد الجيوش والمليشيات بإنفاذ ملف الترتيبات الأمنية ودمج الدعم السريع في القوات المسلحة وتكوين جيش وطني واحد ومستقل، وسد الطريق أمام أي جهة لاستغلال الجيش للوصول إلى السلطة.
كما لا يجد المرء أي مبرر لتحفظ أو ممانعة حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، للحاق بهذا الاتفاق الإطاري الذي أولى أهَمية قصوى بإنفاذ اتفاقية السلام والإبقاء على كافة المكتسبات القائمة على التمييز الإيجابي في الثروة والسلطة لأصحاب المصلحة من الأهل في دارفور الذين دفعوا ثمن هذه الحرب الأهلية تهميشاً ونزوحاً ولجوءاً، مثلما دفع فاتورتها دافع الضرائب في السودان بصفة عامة.
والأمر الذي يدعوا الغرابة أن حركتي العدل والمساواة التين ناضلوا لعقود من أجل الاهل في دارفور، ويسعون إلى إنفاذ اتفاقية جوبا للسلام، يتجاهلون أو يجهلون تماماً أن هذا الاتفاق الإطاري عليه إجَماع دولي وإقليمي غير مسبوق، وأن اتفاقية السلام يتعذر تماماً أنزالها على أرض الواقع بمعزل عن تعهدات المجتمع الدولي لتمويل إنفاذ هذه الاتفاقية، ولا يمكن البتة تنفيذها في دولة ليس لها من موارد غير الجبايات وجيب، كما اعترف بنفسه وزير المالية، ولعل الكل يعلم تماماً أن لا استئناف للعون الدولي الاقتصادي و التنموي والاقتصادي ومسار إعفاء الديون إلا بإعادة مسار التحوُّل الديموقراطي المدني الذي هو من أهم مكتسبات وإنجازات هذا الاتفاق الإطاري، الذي يؤسس لدولة مدنية مكتملة الأركان، ومما يبشِّر بخير قرار عدد من الكيانات السياسية وعلى رأسها ميثاق التراضي الوطني بزعامة مبارك الفاضل وحزب المسار التوقيع على الاتفاق الإطاري. كما التفت حوله الهيئة العليا للتصوف وَدعت كافة شرائح الشعب السوداني لتأييده،
وأيضاً من المرتجى أن يفلح اللقاء الأخير الذي جمع الفريق أول حميدتي بتحالف الكتلة الديموقراطية في تقارب وجهات النظر بين الفرقاء كافة، في سبيل أن يفضي هذا الاتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي، يمهد الطريق لتشكيل هياكل السلطة المدنية وعودة السودان مرة أخرى إلى حضن المجتمع الدولي، وتطبيع علاقات السودان مع المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف كل شركاء التنمية وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية في شراكة تقوم على المصلحة المشتركة في ظل حكم راشد يقوم علي الشفافية والمحاسبية المالية، بغية الاستغلال الراشد لموارد الدولة وخير البلاد والعباد.