بين مؤيِّد ومعارض: المقترحات المصرية.. هل تفلح في طي الأزمة السودانية؟
تقرير- مريم أبَّشر
شهد الأسبوع المنصرم تحركات مصرية على مستوى عالٍ للإسهام في حل الخلافات السودانية بين القوى المدنية والعسكرية التي تتسيَّد الساحة السودانية الآن، في أعقاب الأزمة التي نتج عنها فراغ دستوري وحالة اللا دولة وكانت نتيجتها خلق أزمات سياسية واقتصادية خانقة، فضلاً عن أنها أعادت السودان للعزلة الدولية بعد أن جمَّدت المؤسسات الدولية والإقليمية تعاملاتها ومساعدتها راهنة عملية الاستئناف مجدَّداً بعودة الحكم المدني.
ضربة البداية
التحرُّك المصري جاء بزيارة قام بها مدير المخابرات المصري عباس كامل، حيث التقى بكبار المسؤولين والقيادات بالدولة بجانب القوى السياسية الثورية بتصنيفاتها المختلفة. والمعلومات التي رشحت عن الزيارة أشارت لطرح القاهرة باعتبارها الجار الشريك والأقرب مقترح لجمع الفرقاء السودانيين بالقاهرة بهدف التوصل لتسوية تنهي حالة عدم الاستقرار التي يعيشها السودان منذ أكثر من عام.
تحرُّك الجوار
أزمة السودان الراهنة سعت للتدخل لاحتوائها عدة أطراف دولية وإقليمية لتسريع خطوات التوافق، ورغم توقيع الأطراف المتصارعة سياسياً على الاتفاق الإطاري وفي معيتهم عدد من القوى والكيانات السياسية الداعمة، إلا أن الاتفاق يواجه بمعارضة من بعض الحركات المسلحة وتيارات إسلامية وقوى سياسية أخرى تسعى حثيثاً لعرقلة خطوات التوقيع على الاتفاق النهائى بعد التوصل لنقاط اتفاق حول الملفات العالقة.
رسالة شفهية
خلال الزيارة التقى اللواء عباس كامل، مدير المخابرات المصري بالفريق البرهان، بحضور الفريق أول أحمد إبراهيم مفضَّل، مدير جهاز المخابرات العامة. ونقل المسؤول الأمني المصري خلال اللقاء رسالة شفهية تفيد بالرغبة المصرية في الدخول لتسوية الأزمة السودانية عبر مقترح لجمع الفرقاء السودانيين حول طاولة حوار بالقاهرة لمناقشة القضايا الخلافية، وذات الوفد التقى بممثلين للائتلاف المدنى تناول العملية السياسية وكيفية إنهاء الأزمة الناشبة.
العملية السياسية
وحسب ما صدر عن اللقاء فإن الوفد المصري أعلن دعم بلاده للعملية السياسية وتسريع الوصول لاتفاق نهائي يتضمَّن توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وجدَّد تأكيد حرص بلاده على استكمال التحوُّل الديموقراطي في السودان. ورغم تحفظات بعض القوى السياسية على التدخل المصرى واعتبار البعض بأنه ظل دائماً منحاز للجانب العسكري على حساب المدني وربط آخرين بتخوُّفات مصر من قيام نظام حكم مدني ديموقراطي وانعكاس ذلك على الأوضاع في مصر والمنطقة، إلى أن مراقبين آخرين يرون في التدخل المصري جوانب إيجابية أكثر من أي مبادرات أخرى طرحت حتى الآن، سواءً إقليمية أو تاريخية، وبنظرهم أن ما يربط بين السودان من وشائج تاريخية وجوار أذلى وتداخل وتصاهر كفيل بأن يجعل من المقترح المصري خطوة إيجابية باتجاه التوصل لتسوية تنهي حالة الأزمة السياسية التي دخلت فيها البلاد وقاد لتشظي القوى السياسية، بجانب ذلك فإن مصر أكثر دول الجوار السوداني حرصاً على استقرار الوضع فى السودان خاصة وأن ما يحدث في السودان سلباً أو إيجاباً تتأثر به القاهرة والعكس، ولكن في ظل حالة الانسداد السياسي وحالة التخوين واللا مبالاة التي تشهدها الساحة السياسية وعدم التقدير للحالة المزرية التي وصل إليها حال المواطن، هل تنجح المحاولة المصرية في رأب صدع الأزمة السودانية؟
البحث عن مخرج
أي محاولة من أي دولة أو جهة إذا قبلت بها الأطراف المتصارعة هي خطوة جيدة، ولكن ما نراه هو أن القوى السياسية مختلفة جداً ومع ذلك يجب التأكيد على أن محاولة جمع كل الأطراف السياسية في اتجاه واحد ضرب من الخيال، لأنه ليس بالإمكان إرضاء أي إنسان وبسبب الاختلاف أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل للناس، هذه هي وجهة نظر الخبير الدبلوماسي السفير الطريفي كرمنو، مضيفاً أن سيدنا نوح ظل يجادل قومه لمدة ٩٥٠ عاماً، ويرى أن بسبب الاختلاف الشديد كاد الاتفاق الإطاري الأخير أن ينهار، ويرى أنه من الضروري أن تسارع القوى السياسية للتوصل لنقطة التقاء، وأضاف أن أكثر الدول تضرراً مما يحدث في السودان من عدم استقرار هي مصر، لأن أمنها المائي والداخلي وحتى الغذائي مرتبط بالسودان، وأشار إلى أنه وبسبب الأزمة الآن الآلاف من السودانيين لجأوا للقاهرة. وقال: من بين ٢٢ دولة عربية مصر وبعدها المملكة العربية السعودية هما أكثر الدول تأثرت بما يحدث في السودان. وزاد: أكثر وأحوج الدول لحدوث استقرار واتفاق سلام في السودان هي مصر.
زي مدني
ولكن والحديث لكرمنو، أي نوع من الديموقراطية تسعى مصر لترسيخها في السودان عبر التسوية التي ترغب مصر في التوسط للتوصل إليها، ويلفت كرمنو إلى أن مصر ظلت طوال أكثر من سبعة عقود، تحت الحكم العسكري بزي مدني عبد الناصر، السادات،حسني مبارك وحتى فترة السيسي الراهنة، ويضيف حتى الديموقراطية التي أتت بالرئيس مرسي لم تدعم أكثر من عامين، وهنا يطل السؤال هل تنظر مصر للحكم في السودان من منظور واقع الحكم القائم لديها، أم تسعى عبر حراكها لمساعدة السودانيين في ترسيخ ثورتهم التي تنادي بالسلام و الحرية والعدالة و لحكم المدني الديموقراطي الذي استشهد من أجله مئات الشباب وفقد وجرح آخرون من أجل الوصول إليه؟
تداعيات محتملة
كثير من المراقبين يرون أن التحرُّك المصري الجاد وإرسالها لمدير مخابراتها لطرح نية بلاده التدخل في الشأن السياسي السوداني وصولاً لتسوية تنهي حالة التشاكس السياسي، جاء نتيجة مخاوف حقيقية لتأثيرات باتت ظاهرة لتطورات الأوضاع في السودان لدى السودان، خاصة بعد الحديث عن الانتشار الرهيب للمخدرات وانتشاره بين الشباب جراء حالة السيولة الأمنية، فضلاً عن تزايد أعداد المهاجرين إليها من السودان بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية. عبَّر كثيرون عن أملهم في أن تنجح مساعي القاهرة في جمع الأطراف نحو تسوية سياسية تنهي حالة القلق الداخلي والخارجي الذي أدخلت إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر، البلاد وتسبب في أن يظل عاماً كاملاً بلا حكومة شرعية.
الأمن القومي
وكان مبارك الفاضل، رحَّب بالتحرُّك المصري لحل الأزمة. وقال: إن الأمن القومي المصري يتكامل مع الأمن القومي السوداني في مجالات الأمن والاقتصاد والمياه. وأضاف أن السودان يشارك مصر والسعودية ودول الخليج في أمن البحر الأحمر الذي يعتبر أهم الممرات المائية الدولية ويتوسط القرن الأفريقي ووسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة مضطربة ومعبراً للإرهاب والسلاح والهجرة إلى مصر وأوروبا.