محمد طلب يكتب: الوصية.. (الخائن يُخان في السودان بأمر القلب والعقل يهان)
محمد طلب يكتب: الوصية.. (الخائن يُخان في السودان بأمر القلب والعقل يهان)
كنت في مقال سابق قد انتقدت الشاعرة الجميلة نضال حسن الحاج في نصها (أنا بكرهك) والذي تكررت فيه ذات العبارة المشحونة بالبغض (أنا بكرهك) كثيراً ولازمته رغم أن النص يحكي عن (قصة حب) لم تكن نهايتها سعيدة أو كما أرادوا لها إلا أن عبارة (أنا بكرهك) لم تكن موفقة لحالة حب انتهت بطريقة ما لغير صالح الشاعرة بنتيجة (1/0)، واعتبرتها في نقدي مفردة تفتقد للشاعرية وقوبل ذلك النقد بهجوم كاسح ربما أدى لكراهية البعض لشخصي (دون ذنب جنيت فاندلعت ثورة خانها الجلد).
ولا أدري كيف سيكون الحال وأنا أوجه الإن النقد لأغنية تعد من روائع الغناء في السودان للعملاق محمد وردي والتي شكلت معه ثلاثية رائعة من كلمات الشاعر إسماعيل حسن وألحان برعي محمد دفع الله رحمهم الله جميعاً.
وقبل الدخول في تفاصيل الأغنية لابد من إشارة مهمة لدور الغناء في تشكيل الوجدان والتأثير على الذوق العام ومساهمته في بناء الشخصية ضمن ثقافة المجتمع عموماً.
لا أدري لماذا مرت بخاطري حملات الدفتردار الانتقامية وسقوط الدولة السنارية وسلطنتها الزرقاء وسطوة الخلافة في دولة المهدية وكثير من التحالفات والخيانات السياسية والغدر والانتقام في تاريخنا المعاصر وإخرها ما وصفه الإسلاميون بخيانة بعضهم البعض في ثورة ديسمبر الشعبية في حين أنهم نسوا انفصالهم ومفاصلتهم المملوءة بالخيانة والغدر بقائدهم الديني والسياسي الانقلابي.
وكذا الحال في أحزاب اليسار وانفصالاته وانكساراته وكل ما فعلته بهم الإنقاذ وبالحزبين الكبيرين، وكذلك كل أفعال الحركات المسلحة وانسلاخاتها وتحول المحبة إلى عداوة بأمر القلب وإهانة العقول لكني ربما أكون ظالماً لو نسبت كل ذلك لـ(الوصية)، لكنها بلا شك جزء من التراكمات الواجدانية الداعية لـ(الكراهية) رغم أنها أغنية لها قصة معينة بين طرفين وخصام وما إلى ذلك في قصص الغرام….
و(الوصية) في كثير من الأغاني السودانية ارتبطت بـ(حالات الفراق) والخصام المنتهي بالكراهية على ما يبدو (وهذا ربما يحتاج مقالاً منفصلاً).
إذن دعونا نغوص قليلاً في نص (الوصية) ونترك لكم الفرصة لمشاركة هذ التأمل بالرجوع لنص الأغنية المشفوعة والمرفوعة بالقسم (حلفتك يا قلبي حلفتك بربي)، ثم يشرع في التفاصيل القاسية و(الوصية) والنصائح للقلب العاشق (الرقيق) أو ما يفترض أن يكون عليه القلب قائلاً:
خليهو… الغرام
يتنكر… لحبك
وريهو الخصام
ليه تتهان يا غالي
ليه والذل حرام
ثم يكرر على مدار الأغنية وصاياه لقلبه بعدم الصفح أو حتى قبول الاعتذار ويصل في وصيته لدرجات قاسية قائلاً:
حلفتك يا قلبي
الخانك تخونو
والفايت غرامك
أوعى في يوم تصونو
وزي ما أبكى عيني
سهر لي عيونو
أوعى تقوللي تاني
ما بنعيش بدونو
فتصل إلى ما أسماه بالخيانة ومبرراً ذلك بان (الخيانة) ترد بمثلها وكأنها تحية عسكرية…
كنت كغيري من اهل السودان أطرب جداً لهذه الأغنية وارقص على أنغامها الجميلة لكني أحسب أني الآن أكثر وعياً بمشاعر الإنسانية وقبولاً للآخر في كل حالاته، والصفح والسماح أمر مطلوب وضروري لاستمرار الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها.. (حياة الحب) التي تغنى لها (الكاشف) رحمه الله:
حياة الحب اسميها السعادة بكل معانيها
أقـيم ليلاي أغنيها روح يا ليل تعال ياليل…
ولعلنا بهذه البلاد وفي هذا المنعطف التاريخي أحوج ما نكون لحالة تسامح و محبة عالية المستوى كي نعش (حياة الحب) لهذا الوطن الجريح والتي تتطلب الكثير من الاعترافات والاعتذارات والقبول مثلما تمثل ذلك بشكل جميل في أغنية عثمان حسين ورائعة حسين بازرعة… (مسامحك يا حبيبي)
مسامحك يا حبيبي مهما قسيت علي
قلبك عارفو أبيض وكلك حسن نية
وما خطرت لقلبي سلوى تحيدو عنك
ما ممكن أعاتبك وياخد خاطري منك
أنا عارف خصامك وغضبك في كلامك
ما من جوة قلبك كلو على لسانك
مسامحك يا حبيبي..
فليكن هذا العام عام التسامح والسلام والحرية والعدالة والوئام وحب الاوطان رغم كل المرارات والدموع والاحزان والدماء…
سلام