أمر مؤسف جداً الدماء التي سالت في مدينة الأبيض (عروس الرمال) حاضرة ولاية شمال كردفان بسقوط قتلى بعد ثورة الشباب التي عمت القرى والحضر، وبدأت ثمارها تؤتي أُكُلها.
ستة طلاب في مقتبل العمر أريقت دماؤهم بسبب هتافهم وإطلاق حناجرهم لمطالب أقل ما توصف بأنها مشروعة، بسبب ارتفاع قيمة المواصلات، تم مواجهة تلك المطالب بإطلاق الرصاص الحي من قبل جهة فشلت السلطات الرسمية في الولاية حتى مساء أمس، في القبض عليها أو تحديد هويتها، ولم يكن أمامها إلا الإسراع بإغلاق المدارس وفرض حظر التجوال، حتى لا يتفاقم الوضع أكثر.
كنا نتوقع أن الثورة التي حدثت ستؤدي لإسكات الرصاص إلى الأبد، ومعروف أن إطلاق الرصاص في الحكومة السابقة كان في مناطق النزاعات في بعض ولايات جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق، أي أن تلك المناطق مناطق احتراب في الأصل فإطلاق أي رصاصة فيها غير مستغرب، ولكن أن ينتقل الرصاص إلى مدن كانت هادئة فهو أمر غير مقبول.
سارعت وسائل التواصل الاجتماعي كالعادة باتهام قوات الدعم السريع بارتكاب تلك الفظائع، فكثير ممن يقبعون خلف الكيبورد، أول ما يفعلونه في حالة ارتكاب جريمة هو اتهام قوات الدعم السريع بارتكاب ذلك الجُرم، لا نريد أن نبرِّئ أفراد قوات الدعم السريع من ارتكاب جرائم مثلهم مثل أي قوات أو مواطنين، ولكن التروِّي والتثبُّت هو المُهِم، لأن الحديث المكرر عن قوات الدعم السريع بأنها ارتكبت كل الجرائم في أصقاع السودان المختلفة، لن يُوصِّل للجناة الحقيقيين الذين يرتكبون تلك الجرائم، باعتبار أن هناك هدفاً أو (تختة) أصلاً موجودة يتوارون خلفها.
لكن قبل اتهام أي جهة بأنها أطلقت الرصاص على أولئك الطلاب، ينبغي أن يكون السؤال مَن الذي حرّك أولئك الطلاب وغيّر مسار سيرهم من الذهاب إلى المدرسة والبيت، إلى التوجّه إلى السوق والبنوك وغيرها من المرافق التي ليست لها علاقة بالمطالب كأمانة الحكومة أو وزارة التربية وغيرها.
يجب أولاً القبض على من حرَّضوا أولئك الأطفال وساقوهم للخروج في تظاهُرات، يريدون أن يتكسبوا من ورائها سواء بمحاولة إفشال ما يجري من مفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، أو لأي موقف آخر.
تشكيل لجنة لتقصّي الحقائق في الولاية، يجب أن يكون عقب القبض على الجناة، واستجوابهم ومعرفة الأسباب التي أدت إلى إطلاقهم الرصاص تجاه المواطنين أو الطلاب، لأن تشكيل اللجنة قبل القبض على الجناة لن يؤدي إلى نتائج مَرجوّة.
على حكومة الولاية، أن تُلقي القبض على أولئك القَتَلة، لن ينفع أي تبرير بأنهم كتائب ظل أو مُندسّون، كل تلك الأرواح التي صعدت إلى بارئها تُسأل عنها تلك الحكومة والتي لم تُقدِّر الموقف جيداً.
بالامس تغيّر اسم عروس الرمال لعروس الدماء، نسأل الله أن يُلزم ذوي وأمهات وآباء الشهداء الصبر الجميل.