حميدتي في دارفور.. رسائل “قوية” وإجراءات “صارمة” لإخماد نار الفتنة
حميدتي في دارفور.. رسائل “قوية” وإجراءات “صارمة” لإخماد نار الفتنة
الخرطوم- الصيحة
مثلما فعل في غرب دارفور، إبان الأحداث الدامية التي جرت في منطقة كرينك منتصف العام المنصرم، نصب نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” خيمته في جنوب دارفور لإخماد فتنة أخرى اشتعلت في منطقة بليل والقرى المجاورة لها الأسبوع الماضي، لكن زيارته الحالية لدارفور وفق رؤية المراقبين، هي الأهم لجهة القرارات التي صدرت عنها وبدأ تنفيذها بالفعل أو الرسائل الحاسمة التي وجهها سواءً للمكوِّنات القبلية المتجاورة، أو لمثيري الفتنة ومن يقف خلفهم، أو حتى للقوات التي تحمل السلاح ومنتشرة في الإقليم.
التصدي لأصحاب الأجندات
ففي فاتحة زيارته لمنطقة بليل والقرى التي طالتها الأحداث، طالب نائب رئيس مجلس السيادة، بضرورة التصدي لأصحاب الأجندات من الناشطين الذين يحيكون الأكاذيب والفتن وسط المجتمع، ويثيرون النعرات القبلية والعنصرية، في مقابل ذلك نشر ثقافة السلام والتعايش السلمي بين كافة المجتمعات، وفيما أكد بأنه لا تسامح مع أي معتدٍ، طالب السكان بعدم التستر أو حماية أي مجرم أو متفلت، والمساعدة في تقديم المعلومات الصحيحة للجنة التحقيق التي كوِّنت عن الجهات أو الأفراد الذين حرقوا ونهبوا بعض المناطق بالمحلية، معلناً في ذات الوقت عن وضع خارطة طريق أمنية وسياسة محكمة لوضع حد لهذه التفلتات عبر نشر القوات المشتركة وإنشاء ارتكازات شرطية لحماية المواطنين والمناطق المتأثرة بالأحداث، وطالب المواطنين بالتعاون مع لجان التحقيق ومدها بالمعلومات، فضلاً عن الإدلاء بالمعلومات الحقيقية عن الممتلكات التي فقدت والمنازل التي حرقت، والشهداء والجرحى والمفقودين.
تحقيق مختلف
يذكر بأن القوة العسكرية الموجودة في المنطقة، تمكنت في بحر يومين، من إلقاء القبض على (11) من المتهمين بالضلوع في أعمال العنف التي شهدتها المنطقة وخلَّفت عشرات القتلى، بينهم شرطي وآخر من الدعم السريع وحرق عدد من القرى ما أدى إلى فرار نحو 16 ألف شخص، وقال حميدتي خلال تفقده قرية “أم ترينا” التي شهدت أحداثاً دامية وتعرَّضت للحرق، إنه تم القبض على أحد عشر متهماً، وستتواصل التحقيقات حتى يتم القبض على بقية المتورطين، ودعا سكان القرية إلى التعاون مع لجنة حصر الأضرار والخسائر ولجنة التحقيق بكل شفافية والابتعاد عن أصحاب الأجندة، وكشف لسكان القرية عن توقيف عناصر من قوات الدّعم السريع للتحقق من انخراطهم في القتال الذي شهدته مناطق بولاية جنوب دارفور، وطمأنهم بأن التحقيق حول هذه الأحداث يختلف عن التحقيقات السابقة، وقال: إن نتائجه ستعلن بصورة مباشرة عبر وسائل الإعلام.
لجان للتحقيق وللحصر
وكان حميدتي وقف على الأضرار التي لحقت بالمواطنين جراء هذه الأحداث، والاحتياجات الإنسانية العاجلة لمواطني المنطقة، واستمع إلى تنوير مفصَّل من عدد من المواطنين حول تداعيات الأحداث التي خلَّفت أضراراً بليغة في الأرواح والممتلكات، وأدت إلى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين.
وفيما أدت لجنة حصر الأضرار المترتبة على أحداث منطقة أموري بمحلية بليل، القَسَم أمام ممثل النائب العام لجمهورية السودان، توطئة لمباشرة أعمالها في حصر الخسائر والأضرار، دعا حميدتي لجنة التحقيق للعمل بكل شفافية والابتعاد عن أصحاب الأجندة.
اتفاق لوقف عدائيات
وقبيل مغادرته ولاية جنوب دارفور، شهد حميدتي وعضو مجلس السيادة، الهادي إدريس، توقيع وثيقة “اتفاق وقف عدائيات” بين قبيلتي الداجو والرزيقات بقرية أموري التابعة لمحلية بليل، يتم بموجب نشر ثقافة السلام ونبذ العنف والعنصرية، ونص الاتفاق على “تعزيز فرص السلام وبناء النسيج الاجتماعي ونبذ العنف والعنصرية والكراهية واحترام التقاليد والموروثات الإنسانية”، وتضمَّن الاتفاق محاربة المجرمين والخارجين عن القانون وعدم توفير الحماية لهم، إضافة إلى العمل على فرض هيبة الدولة ومنع حمل السلاح في الأماكن العامة، فضلاً عن مساعدة لجنة التحقيق والأجهزة الأمنية في إنفاذ قانون الطوارئ.
وإبان التوقيع على الاتفاق تعهد سلطان عموم دار الداجو عبد الرحمن آدم أبو، بعدم النكوص عن الاتفاق، داعيًا إلى استيعاب شباب قبيلته في قوات الدعم السريع، بينما طالب رئيس إمارة الرزيقات علي حسين ضي النور، بالتحقيق في أعمال العنف والكشف عن المتورطين في الأحداث وتقديمهم للعدالة.
انتقادات لاذعة
ولدى مُخاطبته فعالية التوقيع على وثيقة وقف العدائيات بين (الداجو والرزيقات) وجه حميدتي انتقادات لاذعة للقبائل التي طالتها الاتهامات بشأن التورط في الصراع مع قبيلة الداجو، قائلاً:
إن عمليات القبض التي طالت المجرمين المتورطين في أحداث قرى محلية بليل، سجلت مشاركة أشخاص من خمس قبائل، أخرى، بخلاف الرزيقات، وأضاف موجهاً حديثه لأبناء الرزيقات الذين شاركوا في الأحداث “شلتو ليكم رأس ميت أنتو ما عارفنوا وبفعلكم هذا بتطعنوا فيني في الضهر، هذا الحديث لا يشبهكم”، وأطلق حميدتي تحذيراً شديد اللهجة لمن يطلقون نداء الفزع، لأن من خلال الفزع تعمل بعض القبائل على تجميع منسوبيها لمهاجمة قبيلة أخرى، مما يتسبب في خسائر كبيرة في الأرواح، وأعلن تجنيد قوات خاصة تحت إشرافه المباشر، لمنع الاحتكاكات بين القبائل، كما حذَّر الإدارات الأهلية من خدمة الأجندة الحزبية، باعتبار أنهم قيادات مجتمعية، ينبغي أن تكون محايدة.
متاجرة رخيصة
وتعهد نائب رئيس مجلس السيادة، بإرجاع الأموال المنهوبة، وتقديم المتورطين في الأحداث للعدالة، ودعا القبيلتين، إلى الالتزام بمقررات وثيقة وقف العدائيات، بفتح الطرق والأسواق ومحاربة المنفلتين، والتعاون مع اللجنة القانونية، التي تتولى التحقيق، مضيفاً بأن كل المؤشرات والدلائل، تشير إلى تورط جهات بعينها، في استثمار قضية جنائية لحرق القرى ومحاولة تشريد أهلها في المعسكرات، من أجل المتاجرة الرخيصة. بهم وزاد: (هناك من يحرِّض يريد الناس أن تذهب لمعسكر كلمة، وعلى أهل المنطقة طرد هذه الجراثيم من ديارهم)، ونبَّه إلى أن بعض المتاجرين بالقضية يسوقون إدعاءات كاذبة، باتهام بعض القبائل، بالعمل على تهجير بعض المكوِّنات قسراً، مشيراً إلى أن هذه الأكاذيب ليست صحيحة، وأن قضية الأرض والحواكير حسمتها اتفاقية جوبا للسلام، وأقسم ثلاثاً، بترحيل كل من يثبت أنه مقيم في أرض ليست ملكاً له، داعياً أصحاب الادعاءات، بإثبات تهمة الاستحواذ على الأرض ضد أي شخص وهو سيتولى ترحيل المستحوذ، مشيراً إلى أهمية التعرُّف على من يثيرون تلك المشاكل بين القبائل، واتهم بعض الأطراف بالعمل على خلق الفتن والمؤامرات من منطقة إلى أخرى، مثل أحداث غرب دارفور وجنوب كردفان وغرب كردفان، بغرض توريط قوات الدعم السريع وتلفيق وفبركة الأكاذيب ضدها، وتابع بالقول: (نحن مثل الذهب لا تزيده النار إلا لمعاناً).
وأكد حميدتي عدم التهاون مع المجرمين أو المتفلتين، داعياً الناشطين في الميديا، إلى تحري الدقة والمصداقية فيما يقولون، بعيداً عن تلفيق الأكاذيب وزرع الفتن، لتحقيق أجندة ضد الوطن، ونوَّه إلى أن العدالة ستجري مجراها ضد كل من أشان سمعة القوات، ولفَّق لها أكاذيب لا أساس لها من الصحة، خاصة في الأحداث التي شهدتها محلية بليل.
فِرية شيطنة الدعم
وأشار حميدتي في حديثه إلى ما وصفه بـالمحاولات المتكررة لشيطنة قوات الدعم السريع، وتلفيق التهم ضدها، واستشهد بحادثة مدينة الأبيض، وفض اعتصام القيادة العامة، مشيراً إلى أن تلك الافتراءات ليست إلا محاولات للشيطنة “لن تتوقف ولن نلتفت إليها”، ونبَّه لمعرفتهم بتلك الجهات والغرف التي تدير هذه الشائعات، واستدل بمحاولات التكسب من حديثه السابق حول إعادة بعض من ظهروا من القوات وهم يصوِّرون فيديوهات أثناء أحداث بليل، وأوضح قائلاً: سلمناهم للعدالة، من أجل التحقيق معهم وأن أحدهم انكشف بأنه طابور يعمل على إشانة سمعة القوات، وأردف: “بالرغم من أن المقاطع وضحت عدم اشتراكهم في الأحداث واكتفاءهم بالمتابعة، ما يعد تقصيراً من جانبهم”.
حتى أفريقيا الوسطى
واتهم (حميدتي)، جهات لم يسمها، بالتخطيط لتغيير نظام الحكم في جمهورية أفريقيا الوسطى، انطلاقاً من الأراضي السودانية، وقال في الخصوص: إن الجهات قامت بتجميع قوات من كل القبائل، إضافة إلى عسكريين سابقين، ووفرت لهم زياً رسمياً مكتملاً من قوات الدعم السريع، وأدخلته إلى منطقة أم دافوق، لتنفيذ مخطط لتغيير النظام في أفريقيا الوسطى”، وأبان عن كشفهم لما وصفه “المؤامرة ومن يقف خلفها”، والقبض على المتورطين، وإغلاق الحدود مع أفريقيا الوسطى درءاً للفتنة، وحفاظاً على حسن الجوار.
تنفيذ خارطة الطريق
وفي تزامن مع إعلان (حميدتي) عن وضع خارطة الطريق لمجابهة التفلتات التي تحدث في الإقليم، تسلَّمت قوة حماية المدنيين التي تم تشكيلها إنفاذاً لبروتوكول الترتيبات الأمنية، آليات عسكرية تمهيداً لبدء الانتشار في عدد من ولايات الإقليم، وحسب ما صرَّح المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، إنه “تم تدشين نحو 162 مركبة، لقوات حماية المدنيين بدارفور، تشمل سيارات دفع رباعي قتالية ونقل وإسعاف طبي وآليات نقل الوقود المياه”.
وأكد في حديث لموقع ـ”سودان تربيون” أن توفير المركبات يأتي في سياق إكمال التجهيزات اللوجستية تمهيداً لبدء توزيع القوة بعد تكامل عناصرها في المواقع التي كانت تنتشر فيها قوات البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة السابقة في دارفور “يوناميد”.
ضبط وتأمين الحدود
إلى ذلك أعلن حميدتي عن أن الدعم السريع بصدد افتتاح معسكرات في أم دافوق، وأم دخن، لضبط وتأمين الحدود، واختتم حديثه قائلاً: “كاكي الدعم السريع متوفر في شركة بالداخل، لذلك كان من السهل عليهم الحصول عليه ونحن لا نريد مشاكل مع أي جهة”.