محمد طلب يكتب: المقدر لابد يكون والآنسة هافيشام
ونحن على أولى عتبات العام الميلادي الجديد 2023 وقد ودعت البارحة السنة الفائتة بأغنية الشاعر (الأمي):
ما بخاف من شئ برضي خابر المقدر لابد يكون…
بحثت في قاموس الأغاني والمعاني السوداني والعربي عن أغنية استقبل بها العام الجديد لكني فشلت فشلاً ذريعاً في الوصول لنص أغنية يمكن أن تكون معبرة بالقدر الذي حقّقته (المقدر لابد يكون).
وربما يعزو البعض هذا الإحساس للأزمة الصحية التي لازمتني منذ بداية السنة الفائتة وتأزمت في أواخرها… لكني أعتقد وبشكل جازم أنها تعبّر عن حال كل الشعب السوداني الذي يقول لسان حاله (ما بخاف من شئ برضو صابر والمقدر لابد يكون) في ظل (الاتفاق الإطاري) أو غيره من (مكنات) و(لخابيط الفنادق والبنادق) ومزج الشامي بالمغربي.
رغم سماعي كماً هائلاً من النصوص القديمة المكرّرة وكثيراً من نصوص (الهبوط الاضطراري (للقونات)) لأننا نسمعها لأول مرة وواضح فيها الارتجال وعدم الصدق وشكل (القونة) الواضح على المغنية.. إلا أن (ما بخاف من شئ برضي خابر (أي علي علم) أن المقدر لابد يكون) ورغم أنها لا تخص هذا الحدث تحديداً (أي رأس السنة) إلا أن هذه الأغنية رغم أنها تبدو متشائمة لكنها للمتأمل تعني الاستعداد التام مع الرضاء والإيمان بما كتبه المولى عز وجل وبذل الأسباب والسعي للأحسن:
إن أتاني الهم وجيشو دافر
يلقى يا مولاي صبري وافر
يلقى عقلي كمان ليهو ظاهر
يلقى قلبي شجاع ما خؤون
والنفس بها من الصبر والجلد ما بها…. وحكم تطابق المعاني المقصودة في بعض النصوص الإلهية بالديانات السماوية مثلاً:
بالعدا معروف ما ببادر
ما بخون الجار ماني غادر
ما بقول للناس مثلي نادر
بل بقول للخالق شؤون
وهب مجموعة قيم أخلاقية عالية المستوى… وخطاب واضح لا يحتاج للشرح وهو من السهل الممتنع… ولعل معظم ما ورد أعلاه وما هو آتٍ تحت يمثل جزءاً كبيراً وكثيراً من الأحداث التي مرت بالبلاد والعباد كان بالإمكان تجاوزها لو لازمنا الصبر وزاملناه وكانت القناعات الإيمانية راسخة وتمسكنا بالقيم واتخذنا الأسباب واجتهدنا وتحاشينا كل (شين) وارد بهذه الأغنية المعبرة:
قول لشاهد الزور فيما ساير
هدّي روعك قبل الخسائر
ياما قبلك عميت بصاير
من لساني وقولي الهتون
ما نكرت الحق ماني فاجر
لا ولا بالعالم متاجر
نفسي يا أحباب ليها زاجر
لا أكون كل يوم ليَّ لون
ألم أقل لكم إنه نص رائع وخالٍ من روح المتشائمة وداعٍ إلى العهد الجديد دعانا أو كما قال الشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران:
داعٍ إلى العهد الجديد دعاك
فاستأنفي في الخافقين علاك
يا أمة العرب التي هي أمنا
أي الفخار نميته ونماك
يمضي الزمان وتنقضي أحداثه
وهواك منا في القلوب هواك
إنا نقاضي الدهر في أحسابنا
بالرأي لا بالصارم الفتاك
ورغم أن الأغنية معرض حديثنا نصها بالعامية السودانية إلا أنه واضحٌ بيّنٌ يستشرق الغد الأخضر في النص التالي المكتنز ثقة بالله (الإله دون شك لي ناصر) ويخطر لي هنا عنوان وقصة في الأدب الانجليزي للكاتب تشارلز ديكنز بعنوان (Great Expectations).
دعونا نقرأ آخر أبيات أغنية (الأمي) ونعود لـ(التوقعات العظيمة) لصاحبها الخواجة ديكنز ونحن نستقبل ذكرى الاستقلال المجيد من الخواجات وكل (دقن) و(دفن) و(كسكتة) و(شورت وفنلة وكاب):
الثبات معروف لي معاصر
لو بقيت في داخل معاصر
الإله غير شك ليَّ ناصر
رغم أنف الواشي الخؤون
عن لسان الحق ماني نافر
ما جحدتَ الخير ماني كافر
ما ضمرت السوء ماني حافر
للصديق لو جوة السجون
ختاماً.. يا ترى ما ومن هو القادم في العام الجديد وماذا تخفي لنا (التوقعات العظيمة) وإن كنا ندرك من هو (بيب) في قصتنا بالسودان الجريح فمن هي الآنسة (هافيشام) ومن هو (انكل بمبلتشوك) ومن هي الجميلة (استيلا) و(ابل ماجويتش) وبقية الشخصيات، وإن كان ديكنز الروائي العظيم والناقد الاجتماعي الكبير قد أخرج روايته التوقعات العظيمة بذلك الجمال فهل من المتوقع أن ينهي شعب السوداني روايته الحزينة المترعة بالدموع والدماء لتتحول إلى (توقعات عظيمة) هذا العام.
ألف سلام