“لقد تعلمت القانون جيداً، لدرجة أنني يوم أن تخرجت رفعت قضية على الكلية وفزت بها، واسترددت مصروفات الدراسة التي دفعتها”.. فريد آلن ..!
النيابة العامة أطلقت رؤيتها بشأن نتائج تحقيقاتها في الجرائم التي صاحبت أحداث فض الاعتصام، وهي تتابع في ذات الوقت سير امتحانات تنظيم مهنة القانون “المعادلة”، التي لم يبخل عليها النائب العام بجولة تفقدية، للاطمئنان على سلاسة جريان الأمور بشأن إجراءات ترسيم جيل جديد آخر من قضاة ومحامِي ووكلاء نيابة المستقبل ..!
وبمناسبة قانونيي الغد، لست أدري هل تغير ـ الآن – نظام تسلسل الجالسين في امتحانات الجامعات والمعاهد العليا، بحسب الحروف الأبجدية أم لا، لكنني أذكر أنه كان كذلك قبل أكثر من عشر سنوات، وأذكر ـ أيضاً – أنني ذات صباح، وأمام قاعة امتحان “تنظيم مهنة القانون” ـ المعادلة ـ فقدت مودة زميلة لي كانت دفعتي في كلية القانون بجامعة الخرطوم. وقد كانت زميلتي تلك تفترض أن تشابه اسمينا يعني أن “نتعاون” في الإجابة على أسئلة الامتحان .. وعندما أخبرتها عن رأيي القاطع والصريح جداً بشأن مسألة الغش في الامتحان، رمقتني بنظرة احتقار لا أنساها، وصارت – منذ ذلك اليوم – تضن علي بالسلام ..!
بعدها، كنت ضمن زملاء – لا بأس بهم – اجتازوا امتحان تنظيم المهنة، كان لبعضهم موقف أخلاقي من مسألة الغش في أي امتحان. وكانت زميلتي تلك ضمن زملاء – كثر – لم يجتازوا الامتحان، على الرغم من تمسكهم بذلك الحق المزعوم في اللجوء إلى الغش لتحقيق النجاح ..!
امتحانات تنظيم مهنة القانون شهدت العام الماضي ضبط حالات غش بين قضاة ومستشارِي المستقبل. مع أن الغش على إطلاقه ليس سلوكاً أكاديمياً عابراً، بل مقدمة لسلوك مهني في المستقبل .. والإنسان – ببساطة – لا يتجزأ، ولا ينفصل عن مبادئه، فكيف يكون الحال ونحن نتحدث عن الجلوس لامتحان تنظيم مهنة تعتبر الأمانة والنزاهة هي صمام الأمان لسلوك أصحابها في المستقبل ..؟!
لا تسألني كيف لأمثال هؤلاء أن يجلسوا على منصات القضاء وأن يحكموا في قضايا الناس بالعدل، أو كيف لهم أن يمثلوا الدفاع أو الاتهام في قاعات المحاكم. لأنني سوف أسألك بدوري عن شيوع ثقافة الغش بين الجالسين لأي امتحان في هذا السودان – من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية وما فوقها – وعن طول وارتفاع تلك المسافة الفاصلة بين تعيين آخر وزير عدل أسبق في حكومة النظام السابق، ثم استبعاده، وعن عدد سجلات المواليد والأموات التي امتلأت قبل تعيين آخر وزير سابق، لاحق!. قبل أن أعود لأسألك بإلحاح عن مدى تقدير العقل الجمعي في هذا البلد – والذي تمثل مؤسسات القانون الحالية أهم وجوهه – لخطورة المناصب التي تتعلق بمؤسسات العدالة وساحات المظالم ..!
لا تحدثني عن تطبيق الشريعة الإسلامية في بلادنا، لأنني سأحدثك عن نزاهة القضاء في دولة مثل إسرائيل، قبل أن أؤكد لك أن الوازع الأخلاقي لا علاقة له بالتدين الشكلاني، وأن التفاف الحكومات والشعوب حول إرساء مبادئ العدالة السياسية والاجتماعية لا علاقة له بالتفعيل الرسمي لأحكام الفقه وقواعد الشرع ..!
لتعزيز وجهة نظري دعني أقص عليك حكاية طريفة. النقاب – كما تعلم – هو أيقونة التدين الشكلاني في بلاد المسلمين، لكنه في حكايتي هذه لم يكن كذلك. كنا نستعد لامتحانات السنة الأولى بكلية القانون في جامعة الخرطوم، عندما اقتربت مني زميلة “منقبة” كانت تفترض أن تشابه اسمينا هو صدفة سعيدة، ومن ثم فقد عرضت علي “ودون أن يطرف لإحدى عينيها – المطلتين من خلف ذلك النقاب – جفن”، أن نستبدل أوراق الامتحان ..!
يومها سألتها بدهشة حقيقية عن حاجتها إلى لبس النقاب، والحال كذلك!. ثم ها أنا ذي أسألك بدوري عن حاجتنا كشعب إلى الاستيثاق من أي تقرير رسمي، والحال كذلك..؟!
منى أبو زيد
munaabuzaid2@gmail.com