الدم قصادو الدم
لصديقي اللدود (إسماعيل الماحي) دوماً مَزاعم شاطحة عند مُحاولاته تَشريح الغَامض من حَكَاوى وأحداث..
ولا يَفتأ يتحفنا كل يوم بجديده المُدهش..
فاجأني أمس (وأنا ماشي لي بيتنا).. بالسُّؤال:
(تعرف الناس الكتلوا الناس ديل منو؟!)..
وقبل أن يسمع جوابي الذي تأبى عن قصدٍ، أجاب بزهوٍ وتفاخرٍ ظاهرٍ:
(ديل الشيوعيين).
وعلى طريقته المعهودة في الاسترسال السردي، طرح نظريته المُتكاملة حول صناعة الثورة والتّوحُّش وضرورة أن (تشم الدم) حتى تنضج الثورة.. مُعدِّداً الدور الذي لعبه مهندس الثورة وعُرّابها في جمع القبيلة الحمراء والترتيب معهم لإرخاء الستار على حقبة البشير، وكيف أنّ الموت كان يُلاحق الناس كلما انطفأت جذوة النضال ليشعلها من جَديدٍ.
قال فيما قال (إنّ العرفان الذي نشأ لدى قَحت تِجَاه “المهندس” استحال إلى البحث عن دَورٍ له في المَرحلة المُقبلة عُضواً مُميّزاً في مجلس السيادة).
ومَضَى مُشعباً وخاتماً الموضوع:
(باقيلك “الكيزان” ديل بخلوهو).
تعوّدت أن أصغى لود الماحي جيداً و(ما أرمي كلامو الواطة)، فهو الذي نبّهني بعد عودته من زيارة تهنئة للمهندس صلاح قوش بمناسبة عَودته الفَاجعة مُديراً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، نبّهني إلى المنعطف الحاد الذي تمثله عودة صلاح، حيث قال: (شوف الزول دا حيفوِّر ليك أب شلاليف دا كيف!!).
ولم تكن تلك المرة الأولى ولا الأخيرة التي تتحقّق فيها (خُزعبلات ود الماحي)، الأمر الذي يَجعلني أتساءل (ممحوناً) معه كيف يرى الكيزان الآن الرجل؟!.. وهل لخروجه المُتَعَجِّل من السودان صلةٌ باستهدافه من قبل الإسلاميين؟!.. خَاصّةً مع الأخذ في الاعتبار التدابير الاحترازية غير المَسبوقة والتأمين عالي الدرجة والمُستوى لبيته في ضاحية الحي الراقي جنوب الخرطوم.
فُرصة صلاح للعودة والعمل مع مجاميع الإسلاميين لم تعد مطروحة وهي فكرة تجديفية و(خيالها واسعٌ) فَقَد دَقّ بينهما (عطرٌ مُنشمٌ) وأفضل نَجّار لا يُمكن أن يجمع بينهما، ولا أظن الرجل في زحمة انشغاله (بفش الغبينة) تَوَقّعَ واحتاط لكل ذلك التّحوُّل الذي حَصَلَ بعد عملية الـ(كش ملك) الناجحة ومثلما يقول الكتاب.. كل ما عناه وقصده هو الرأس الكبيرة فَقط، لكنها الرياح التي جَرَت بما لا تشتهي سفنه، لعله (المكر التاريخي) الذي يقود الفرد بطُموحاته الذّاتية الخَاصّة إلى حيث الاتّساع فتمضي رميته أبعد من رغباته والقصد، أصبح صلاح في مُواجهة من كان مُصطفىً معهم فكرةً وسداةً، ولذا فإنّ أمر عودته إلى ذات المسرح يستلزم إجراء بعض التّغييرات المُهمّة وتنظيف تلك الجيوب وتعديل الاصطفافات بما يتلاءم.
لا لوم على الرجل من قِبل أعدائه القدامى، فقد صنع لهم طُمُوحه الشخصي واقعاً جديداً لم يكن بالغوه بشق التنفس مثله وطُمُوح نابليون للسيطرة على أوروبا ورغم كونها رغبة ديكتاتورية استعمارية إلا أنّها ساهمت في نشر مبادئ الثورة الفرنسية في كل أنحاء أوروبا، أي أنّ الحرية انتشرت عبر الديكتاتورية والرغبة في السُّلطة، إنّه مكر العقل الذي قال به هيجل.
هيكلة جديدة لكامل المشهد صاغها المهندس وراح فيها صلاح صاغة وآخرون.. فهل يغفرون..؟