آمال معلقة: 67 عاماً من الاستقلال.. السودان محلك سر
الخرطوم- آثار كامل
استقبل السودانيون ذكرى استقلال السودان (٦٧) ولازالت الآمال معلقة بتحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية بعد أن تفاءل الشعب المقلوب على أمره بثورة ديسمبر المجيدة والتخلص من الحكم الديكتاتوري الذي استمر ثلاثين عاماً، حيث خرج الشعب في وجه حكومة الإنقاذ حتى أسقاطها حالمون بتحقيق دولة الحكم المدني القائمة على المساواة والعدالة حتى تسلمت قوى الحرية والتغير مقاليد الأمر بينها والعسكر ليأتي الخلاف بينهم ما جعل قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يقوم بإجراءات وصفها بالتصحيحية وعدتها الحرية والتغيير انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، واعتبر البرهان أن خطوته “كانت ضرورية لمنع انزلاق البلاد نحو الفوضى”ومنذ تلك اللحظة زادت شعلة الشارع، وأعتبر الثوار بأن ماتم هو غدر وظلوا في مواكب وتظاهرات مركزية ولا مركزية لأجل أن يتراجع العسكر عما تم عمله، حيث ظل الشارع يطالب بالحكم المدني وخروج العسكر من المشهد السياسي نهائياً واستمر الحال إلى أن برزت التحركات الخارجية والداخلية لحل الأزمة بجانب المبادرات وصولاً إلى دستور المحامين الذي أجمع عليه الكثيرون ونتج عن ذلك توقيع اتفاق إطاري بينهما مابين العسكر والمدنيين.
ما قبل الاستقلال
اجتمع البرلمان السوداني في 19 ديسمبر 1955م، وأعلن استقلال السودان وطالب دولتي الحكم الثنائي بالاعتراف بالسودان دولة مستقلة، وقد وافقتا على ذلك وتم الجلاء ورفع العلم السوداني في 1 يناير 1956.وقد شكلت ثلاثة تحديات رئيسة تاريخ سودان ما بعد الاستقلال وهي مسألة الدستور ومشكلة الجنوب ومعضلة التنمية في السودان. هذا بجانب الصراعات الأيديولوجية بين الأحزاب اليمينية واليسارية وبين الديموقراطيين والشموليين وقد حظي كل منهم بتجربة حظه في مواجهة التحديات الثلاثة الرئيسة أعلاه ونجد أن المشهد السياسي بعد الاستقلال كان تسوده عدة تيارات حزبية وكانت الساحة السياسية مليئة، حيث نجد الأحزاب الطائفية مثل حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديموقراطي بجانب ازدهار النشاط السياسي وظهور الأخوان المسلمين بجانب الأحزاب اليسارية مثل الشيوعي والبعث والناصريون والجمهوريون.
الصراعات مستمرة
يرى مراقبون أن جهات عده ناهضت التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي وجد معارضة كبيرة من الكتلة الديموقراطية التي ترى بأن الكل خرج بوثيقة منهجية مختلة وترى الكتلة الديموقراطية التوافق الوطني بأن الإطاري لم يجد تأييداً من الشارع ما أدى إلى تأخر الإعلان عنه ولا زالت التظاهرات في الشارع مناهضة له فيما برزت خلافات داخل البيت عقب عودة محمد الحسن الميرغني من قاهرة المعز ولم تكن الأجواء العائلية مستقرة حتى تدخل البعض منهم نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، لإنجلاء الأزمة ويحاول أن يصلح ماحدث من توتر داخل بين الميرغنية بسبب السياسة ولاننسى قضية الشرق، حيث برزت مجدداً بعد التوقيع على الإطاري مابين مؤيد ومعارض داخل مجلس نظارات البجا والأزمة قائمة حتى الآن ويرى البعض منهم أن الحديث عن تقييم القوى السياسية يخرج من منطلق الحصول على كراسي.
خلافات القوى المدنية
الأزمة والخلافات التي نشبت بين المكونين العسكري والمدني أدت إلى قيام البرهان بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، وتم من خلال ابتكار عده أجسام سياسية قبل الخامس والعشرين من أكتوبر، ونجد أن الخلافات تضرب المدنيين نفسهم فيما بينهم إلا أننا نجد أن النقاشات لا زالت بين المكوِّنات المدنية
تسببت في التأخير والتوصل لاتفاق نهائي ونجد أن منذ التوقيع
قوى الحرية والتغيير وضعت شروطاً وأهدافاً وحدَّدت أهداف الأزمة ولكن يبقى السؤال ماهو جوهر القضية؟ هناك قوى تريد أن تحتفظ بنظام البشير وقوى أخرى تريد أن تؤسس لدولة مدنية؟ هذا هو جوهر القضية، فكيف الوصول له؟
كتلة وطنية
يرى أستاذ العلوم السياسية أحمد الجيلي، في حديثه لـ (الصيحة) أن السودان لازال يعاني، وشخَّص الجيلي أسباب التدهور في الصراعات السياسية المستمرة التي أصبحت منعكسة على عدم الاستقرار وعلى نفسية المواطن بجانب حب الأنا لدى الأحزاب السياسية لذلك لازال الفشل ملازم البلاد، وأضاف بأن خروج السودان من مستنقع الفشل يتمثل في تشكيل كتلة وطنية للخروج من الأزمة الراهنة، وذكر أن عدم الجلوس مع العسكريين من قبل بعض الأحزاب السياسية خطأ ويعتبر تناقضاً من القوى التي ترفض ذلك، مبيِّناً أن أطراف الأزمة، طرفان طرف مدني والآخر عسكري ولا بد من الجلوس سوياً لايمكن تحقيق المدنية عبر طرف واحد .
احتمالية تسوية سياسية
وواصل أحمد الجيلي، حديثه عن احتمالية قرب التوصل إلى تسوية سياسية تضم القوى السياسية المناهضة للاتفاق الإطاري الذي نص على ابتعاد العسكر عن السلطة وتسليمها بالكامل للمدنيين وهو كان شرط القوى السياسية من أبرزها الحزب الشيوعي، الذي يرفض مبدأ التفاوض مع العسكريين من الأساس وكان ضمن بنود الدستور الانتقالي لنقابة المحاميين إبعاد العسكر ووجد الدستور ترحيباً دولياً ومحلياً شمل القوى العسكرية التي أبدت تحفظات على عدد من بنوده، وأشار الجيلي إلى أن هنالك إشكالات لابد من حلها وهي قد تحول دون التوصل لتسوية والموافقة على التوقيع النهائي على الاتفاق الإطاري قضية العدالة الانتقالية، التي يقف فيها الشارع وأسر الشهداء دون تنازل.
إرجاع الحقوق
قال عضو لجان مقاومة الخرطوم مجدي تيراب في حديثه لـ(الصيحة) بأن ماتم من اتفاق إطاري والحديث عن تسوية سياسية في الفضاء الإعلامي ليس لها أي معنى لدى قوى الشارع الحيَّة ولجان المقاومة وكل الكيانات الرافضة للانقلاب مالم تتم المحاسبة وإرجاع حقوق الشهداء ومعالجة المصابين وإطلاق سراح المعتقلين، لذلك الشارع صاحي والمحاسبة واجبة.
وبسؤاله عن إذا كان من الخطأ استقلال السودان قبل أن ينضج الشعب وأسباب التدهور وهل يمكن أن يخرج السودان من مستنقع الفشل، أجاب تيراب بأن النخب السياسية هي أحد الإشكالات التي لازالت قائمة، وأشار إلى أنه دائماً تحمي المصالح، فنجد الأحزاب السياسية منذ تاريخها وحتى الآن ليست مع الوطن لاتوجد أحزاب جلست وعالجت مشكلة الوطن حتى بعد هذه الثورة العظيمة ظهرت الصراعات الحزبية عبر كيفية الاستقطاب والبحث عن المصالح. ونوَّه تيراب إلى أن القوى السياسية التقليدية غير قابلة للوضوع الحالي لأنها ترى بأن الشارع ولجان المقاومة منافسة لها، مشيراً إلى أن هذا الأحزاب نظرتهم إليها في الشارع الرجوع وترتيب بيوتها من الداخل وإرثاء الديموقراطية أفضل من الصراعات الداخلية بعد ذلك يستطيع السودان أن يخرج من مستنقع الفشل. وأضاف بأن ليس الخطأ أن ينال الشعب استقلالة وحريته قبل النضوح، الإشكال يتمثل في الأحزاب التي لم تعلِّم الشعب وانشغلت بالمصالح.
مطلوبات سياسية
قال د. عبدالرحمن الحسن، أستاذ العلوم والسياسات الخارجية حديثه لـ(الصيحة): إن الحراك السياسي الآن في الساحة يذهب باتجاه تسوية سياسية، وأضاف: بالتالي فإن أي ميثاق أو مبادرة تعمل على إقصاء وتجاوز المكوِّن العسكري في المرحلة القادمة سوف تكون بعيدة عن اتجاه الحل، بل بعيدة عن أرض الواقع نسبة إلى أن العسكر شركاء في الفترة الانتقالية التي تتسم بالواقعية، لكن في المقابل يرى دستور نقابة المحامين فرص نجاحه والتوقيع النهائي عليه ولحاق القوى السياسية الرافضة به يتمثل في الذهاب تجاه الشارع حتى تستطيع الجهات الساعية للحل من أن تجد طريقاً واضحاً، وأشار إلى أن الدستور قد يساهم في كسر الجمود، بالبحث في إطار البعد الوطني الكلي وبما يتجاوز الأزمة السياسية الراهنة، وتوسيع رقعة الحوار للوصول إلى تقارب بين كل المكونات المتصارعة تفضي إلى حلول للأزمة.
توافق عريض
في حديث سابق لـ(الصيحة) قال عضو المكتب التنفيذي للمجلس المركزي للحرية والتغيير، وعضو اللجنة التي صاغت الرؤية السياسية لإنهاء الانقلاب معتز صالح: إن الرؤية وضعت وفقاً للوثيقة الدستورية التي توافقت عليها القوى السياسية بواسطة نقابة المحامين ونتاج نقاشات وإجماع بين القوى المشاركة والنقابات، وقوى الكفاح المسلح، بالتالي فأن الرؤية الأن مطروحة على القوى السياسية الأخرى التي لم تشارك في أعداد الدستور، إلى الوصول لتوافق عريض، وأوضح بأن القبول والرفض الذي قوبل به الإعلان طبيعي، واضاف أن الرؤية مطروحة في إطار سياسي ضمن قضايا أساسية، وتوقع أن تؤسس الرؤية أرضية للخروج من الأزمة، وأكد صالح أن كل المكوِّنات النقابية شاركت في صياغة الدستور وبالتالي توقع موافقتها على الرؤية بينما شكك في قبول بعض النقابات التابعة للحزب الشيوعي قبولها للرؤية، أما بخصوص لجان المقاومة أكد مشاركة بعض لجان المقاومة بينما ترك الباب مفتوحاً للجان الأخرى لمزيد من النقاشات وأن الرؤية أرضية للحوار، وأن الإعلان وثيقة غير نهائية، ويرى صالح أن التباين داخل جسم التحالف هو “مصدر قوة وتماسك”، وأكد عدم الذهاب إلى حل سياسي يشرعن الانقلاب العسكري، بل الذهاب لحل يحقق أهداف الثورة.
ملخص أخير
ما يلخص من حديث المراقبين والأساتذة بأن هنالك عملية سياسية لديها مطلوبات، ولها أسس ومبادئي طرحت على جماهير الشعب السوداني، وننتظر ردة فعلها وتفاعلها مع هذه الأسس والمبادئي، مشيرين إلى أن هذه المبادئ تؤسس لسلطة مدنية كاملة في السودان، وتعبِّد الطريق نحو التحوُّل الديموقراطي، عبر الرجوع إلى مسار التحوُّل الديموقراطي، وتسليم السلطة للمدنيين وتوافقها على دستور نقابة المحامين كأساس لتسليم السلطة للمدنيين والنظر إلى المآلات التي أعقبت القرارات الأخيرة، التي تتطلب المحافظة على البلاد والتراجع عن خط التعنت وتهيئة المناخ لأي نوع من الحوار، واتفق الجميع بأن الحوار هو المهم وهو من مصلحة البلد، ولابد من البحث عن الطريق المؤدي للدولة المدنية.