*حينما كان الرئيس الأسبق الراحل جعفر محمد نميري يحكم السودان، لم نكن نعي الكثير من تفاصيل الحكم وفنون المعارضة التي كانت تستخدم في تلك الفترة، مع أننا نذكر جيداً انتفاضة أبريل التي اقتلعت نظام مايو بعد حكم دام ستة عشر عاماً.
*في تلك الفترة أذكر جيداً أنه عند عودة التيار الكهربائي للأحياء السكنية كنا ننشد “املو الباقات الكهرباء جات اسي بتقطع”، ونقصد باقات المياه وليس غيرها”، وذاك المقطع كان يتكرر ربما في كل انحاء السودان لعدم استقرار الكهرباء وانقطاعها بصورة دائمة حتى إن وجود الكهرباء أصبح وضعاً غير طبيعي.
*قطوعات الكهرباء في تلك الفترة رغم قلة عدد سكان الخرطوم حينها، وصغر المصانع الموجودة على أطرافها، كان كل شيء غير مقبول، ولكنه واقع قبله الجميع حتى رحل النميري “نسأل الله له الرحمة والمغفرة”.
*ولم يختلف الحال كثيراً في فترة الديمقراطية الثانية التي لم تستمر طويلاً في الحكم، فكانت الإنقاذ التي تعتبر من اكثر الحكومات بقاء في السلطة في تاريخ السودان ما بعد الاستقلال.
*الإنقاذ حاولت إحداث استقرار في الكهرباء، ولكنها ايضاً لم تنجح بالصورة المثلى، وشيدت خزان مروي لإنهاء هذه المعضلة، ولكنها لم تنجح في إنهاء أزمة قطوعات الكهرباء، وإحدث التعلية في الرصيرص وشيدت بعض الخزانات الصغيرة، مع كل ذلك لم يستقر الإمداد الكهربائي في عهد الإنقاذ إلا قليلاً.
*الآن وبعد رحيل الإنقاذ بثورة ديسمبر لم تنته المعضلة بل زادت بصورة مزعجة جداً، حيث شهدت الخرطوم خلال الايام الماضية قطوعات غير مبرمجة للكهرباء حتى لعبت بنا “الظنون”.
*منذ سنوات طوال ولم تشهد الخرطوم انقطاعاً للتيار الكهربائي في نهار الجمعة عدا هذا الأسبوع، حيث كانت الخرطوم شبه مظلمة في العديد من أحيائها.
*تذكرت قصة “املو الباقات هذه” أمس، ونحن في الصحيفة ظللنا منذ مساء السبت دون تيار كهربائي، وعلمت بعدها أن بعض الأحياء تعيش ما بين لهيب الشمس الحارقة وسخونة المياه – إن وجدت- لانقطاع التيار الكهربائي.
*في السابق ظننا خيراً – وليس كل الظن إثم- بإنشاء سد مروي، واعتقدنا أن مشكلة الكهرباء ستذهب دون رجعة، ولكننا كنا مخطئين، ونحن نرى الخرطوم مظلمة في كثير من الأوقات.
*قبل فترة ليست بالطويلة، قال لنا مدير شركة سكر النيل الأبيض إنهم سيمدون الشبكة القومية بالإمداد الكهربائي إن وفرت بعض الأشياء البسيطة، وزارة الكهرباء يبدو أنها فشلت في توفير هذه الأشياء لتغذي الشبكو القومية بإمداد كهرباء السكر.
*الغريب في هذا الأمر أن السودان يبحث عن الكهرباء من الأشقاء في مصر، وفي السابق من إثيوبيا، في حين أن وزارة الكهرباء إن فكرت بعقل سليم فهي لا تحتاج لهذا الإمداد المصري، وإنما فقط تحتاج لتوفير الخط الناقل لسكر النيل الأبيض وغيره من مصانع السكر التي بإمكانها توفير كهرباء لا تقل عن عشرين ميقا واط للشبكة القومية.
*نسأل الله أن ينير بصيرة المسئولين في الكهرباء وغيرها من المؤسسات الخدمية لينعم أهل السودان بإمداد كهربائي مستقر، يغنيه حاجة الإسراع في ملء الباقات.