2022.. عام المبادرات والتسوية والتقلبات السياسية
2022.. عام المبادرات والتسوية والتقلبات السياسية
الخرطوم- نجدة بشارة
شهد العام 2022م، الكثير من التقلبات والتحوُّلات الجيوسياسية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وعلى الصعيد الداخلي ارتبطت المتغييرات السياسية امتداداً لأحداث العام السابق لاسيما شهر أكتوبر نهاية العام 2021م، التي شهدت “انقلاب ” عبر قرارات البرهان وإعلان حل الحكومة الانتقالية، واعتقال بعض الوزر اء والقيادات من الحكومة السابقة
وربما تستمر تأثيرات هذه التغييرات إلى أعوم قادمة خاصة فيما يتعلق بالتوقيع على الاتفاق الإطاري بين قوى الحرية والتغيير، والمكوِّن العسكري..وغيرها.. سنفرد مساحة لاستعراض أبرز الأحداث السياسية التي حدثت في هذا العام.
رحيل.. عودة الاحتجاجات
مع بداية شتاء يناير من العام 2022م، أعلن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، استقالتة منصبه بعد أقل من شهرين على إعادته إلى السلطة ضمن اتفاق سياسي مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان .
وقال حمدوك، الوجه المدني للمرحلة الانتقالية، في خطاب قبل رحيله عن البلاد إنه حاول أن يجنب البلاد “خطر الانزلاق نحو الكارثة.
بينما أوضحت جهات أن حمدوك غادر بعد أن فشل في تكوين حكومة انتقالية النسخة الثانية .
في المقابل عادت الاحتجاجات والتظاهرات إلى السطح مجدَّداً بعد فشل تشكيل حكومة جديدة، ورحيل حمدوك.
وعاد آلاف من أبناء الشعب السوداني، إلى شوارع العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى مجدَّداً في مسيرات تطالب بمدنية الدولة وتحقيق العدالة.
انطلاق المبادرة الأممية
وفي ذات الشهر ومع تتابع الأحداث أطلقت الأمم المتحدة، في الثامن من يناير، مبادرة للتوصل إلى اتفاق يؤدي للخروج من الأزمة السياسية ولرأب الصدع بين المكوِّنات المدنية والعسكرية..والمبادرة انطلقت بقيادة بيرتس فولكر.
ووسط تعنت ورفض من قبل القوى المدنية، أظهر مجلس السيادة ترحيب بمبادرة الأمم المتحدة، وقال برتيس: إن الجيش ليس لديه اعتراضات على وجوده.
وقال نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، الفريق أول محمد حمدان دقلو، حينها، إن مبعوث الأمم المتحدة يجب أن يكون “مسهِّلاً وليس وسيطاً”.
ثم ظهرت عدد من المبادرات في الساحة السياسية أبرزها مبادرة شيخ الجد، أساتذة جامعة الخرطوم، شيخ المكاشفي وغيرها من المبادرات المحلية التي طرحت لحل الأزمة.
خيارات تسليم السلطة
وتتابعت الأحداث، وازدادت حدة الأزمة، وفي فبراير بدأ رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، التراجع عن مواقفه السابقة بعد انطلاق الحوار الأممي، حيث أكد أن القوات المسلحة ملتزمة بعدم تسليم السلطة إلا لمن يأتي عبر الانتخابات أو التوافق السياسي.
وقال البرهان: “نريد أن نسلِّم السلطة لمواطنين سودانيين منتخبين.
زيارة حميدتي إلى موسكو
قبل ساعات من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، حطت طائرة في مطار موسكو تحمل على متنها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي)، رفقة وفد وزاري رفيع، يضم وزراء المالية والطاقة والزراعة وممثلاً عن رجال الأعمال السودانيين.
لكن بعد ساعات من وصوله، ومع انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا،
وفي أبريل ووفقاً لمراقبين، فإن من يسترجع الوعود التي قطعها الفريق عبد الفتاح البرهان على نفسه، حين أعلن عن انقلابه، في الخامس والعشرين من أكتوبر، يمكنه أن يدرك ببساطة، أن أياً منها لم يتحقق رغم مرور نصف العام على تلك الوعود.
فقد تعهد البرهان في اليوم الأول من الانقلاب، بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وتحقيق متطلبات العدالة والانتقال، وتشكيل مفوَّضية لوضع الدستور، ومفوَّضية للانتخابات، ومجلس للقضاء العالي، ومحكمة دستورية، ومجلس نيابي.
عودة الإسلاميين
ولعل في الوقت الذي تصطرع فيه قوى الثورة بين الرفض والقبول لأي تسويات سياسية تمكَّن من كسر طوق العزلة وإزالة الشقاق والقطيعة الممتدة بينها، ووسط حالة الانغلاق لأفق الحل..نشطت في مقابلها الحركة الإسلامية وانخرطت في مراجعات فكرية نقدية محمومة لمسيرتها، عبر تحركات من فوق وتحت الأرض لإعادة إنتاجها مجدَّداً كقوى سياسية فاعلة بعد سقوطها المدوي في الحادي عشر من أبريل بثورة زلزلت عرشها واقتلعت جذورها.
مشروع الدستور.. والتسوية السياسية
في سبتمبر أطلقت نقابة المحامين مشروع الدستور الانتقالي بمشاركة واسعة من قوى الثورة، والقوى الوطنية، وقوى سياسية أخرى ووجد المشروع تأييد من قبل رئيس مجلس السيادة البرهان ونائبه حميدتي.. واعتبر مدخلاً للخروج من الطريق المسدود ومعالجة أزمات البلاد وتوفيق رؤى وتطلعات كل المجموعات ذات الشأن وصولاً لحل قضية العلاقات المدنية العسكرية الشائكة والتعبير عن مقاصد الثورة.
كما تهدف المبادرة إلى صناعة دستور انتقالي متوافق عليه عبر عملية حوارية بين الفاعلين في المشهد السوداني.
في أكتوبر تقدَّمت قوى الثورة خطوات عبر طرح التحالف السياسي (الحرية والتغيير) رؤيته لسلطة يقودها مدنيون بالكامل لقيادة الفترة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات، بعد تكثيف الجهود لإنهاء الجمود المستمر.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير، رؤيتها حول أسس ومبادئ الحل السياسي المفضي لإنهاء الانقلاب العسكري في السودان، وقرَّرت أن يكون لقوى الثورة المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر، حق اختيار رأس الدولة – مجلس السيادة، ورئيس الوزراء، وتشمل قوى الحرية والقوى السياسية والحركات المسلحة ولجان المقاومة وتجمع المهنيين والأجسام النقابية والمجتمع المدني الديموقراطي.
ونصت الرؤية على مراجعة اتفاق جوبا للسلام وتنفيذه بالتوافق مع أطرافه، وتأسيس مستوى سيادي مدني كامل محدود العدد، ومجلس وزراء من كفاءات ملتزمة بأهداف الثورة، ومجلس تشريعي محدود العدد، ومجلس أمن ودفاع برئاسة رئيس الوزراء.
أحداث ساخنة
وعلى صعيد الأحداث الساخنة قتل في أكتوبر، ما لا يقل عن (258) شخصاً، وجرح (385) آخرين، ونزح أكثر من (55,000) شخص، في أجزاء من ولايتي النيل الأزرق وغرب كردفان وذلك بسبب العنف بين المجتمعات.
أدت موجة العنف الأخيرة في ولاية النيل الأزرق إلى نزوح أكثر من (97,000) شخص، من وإلى داخل الولاية منذ يوليو 2022م.
أوردت التقارير عن وقوع حوادث أمنية في أجزاء من ولاية دارفور وولايات أخرى، وقد طالت تلك الحوادث المنظمات الإنسانية.
تجاوز عدد حالات الملاريا معدَّلات الحد الأدنى في (12) ولاية بحلول أكتوبر 2022م.
تقوم وزارة الصحة والمنظمات الإنسانية بالتصدي لتفشي حالات الحصبة وحمى الضنك في كردفان بجانب ظهور حالات تفشي لالتهاب الكبد الوبائي.
الاتفاق الإطاري
في ديسمبر ختمت الحرية والتغيير عام التقلبات السياسية بالتوقيع على الاتفاق الإطارئ الرسمي بين قوى الحرية والتغيير والمكوِّن العسكري، لتعقبه مباشرة مرحلة إكمال تفاصيل بعض القضايا بأوسع مشاركة، من قوى الثورة وأصحاب المصلحة ليتأسس عليها الدستور الانتقالي، وتنشأ مؤسسات السلطة الانتقالية في فترة لا تتجاوز أسابيع محدودة حتى بداية العام الجديد.
ولعل التوقيع على الاتفاق الإطاري خلق انقسامات جديدة وسط قوى الحرية والتغيير من بعض الرافضين لخيار الاتفاق مع العسكر ..فيما مازالت النقاشات والحوارات مفتوحة مع قوى الثورة للوصول إلى الاتفاق النهائي