30ديسمبر2022م
كان يرافقني..
وصرخ فجأة – بفرح – منادياً شخصاً على الجانب الآخر من الشارع: يا دفعة..
ثم التفت إلي شارحاً: إنه دفعة معاش؛ أو دفعة معاشي..
فقد أُحيلا للمعاش في وقت واحد؛ حين كان سن التقاعد ستين عاماً..
والآن سن المعاش زيد خمسة أعوام..
وفي بعض بلاد الغرب لا يُحال الشخص إلى المعاش إلا عند بلوغه السبعين..
ودوماً هنالك نقاشٌ بشأن سن التقاعد هذا..
ما بين مؤيد… ورافض… ومتحفظ؛ انطلاقاً من عديد الزوايا في وجهات النظر..
غير أن زاويتي الشخصية تختلف قليلاً… أو كثيراً..
فأنا أنظر إليها من زاوية رأي علمي – معاصر – عن حقيقة أعمار الناس..
فالإنسان – حسب الرأي هذا – لديه عمران..
عمر زمني بحساب السنوات تثبته – ورقياً – شهادة الميلاد..
وعمر بيولوجي تثبته – ظاهرياً – تجليات المظهر… والصحة… والعافية..
بمعنى أنك قد تجد شخصين عمر كلٍّ منهما نصف قرن..
أحدهما يبدو لك في الأربعين – أو أقل – بينما الآخر يبدو فوق الستين؛ أو أكثر..
أو ربما يبدو لك سبعينياً..
والسبب في الفوارق المظهرية هذه أرجعه بعض العلماء إلى عوامل عدة..
فهنالك عامل الوراثة المهم..
وذلك حيث تنتقل جينات الصحة من جيل إلى آخر..
وهنالك عامل التغذية المتوازنة؛ والذي يلعب دوراً مؤثراً في صحة الإنسان..
وهنالك عامل الرضا الوظيفي..
والذي ينعكس إيجاباً على أعضاء الجسد كافة..
ثم عامل السعادة المستمد من الاستقرار العاطفي مع شريك متناغم..
في حين أن الشريك المشاكس قد يقصف العمر..
وذات مرة شاهدت تقريرين إعلاميين يُثبتان صحة هذا الذي نقول..
الأول عنوانه: نجوم لن تصدق أن هذه هي أعمارهم الحقيقية..
والثاني عنوانه: مشاهير شباب غزتهم الشيخوخة مبكراً..
في الأول نفاجأ بممثلين في عز شبابهم – مظهراً – أعمارهم تجاوزت الستين..
وفي الثاني ندهش لوجوهٍ تكرفست..
مع أن أصحابها لم يتخطوا سن الأربعين بعد..
ويمكننا ذكر نماذج محلية في مجالاتٍ فنية… وإعلامية… وسياسية..
فمطرب راحل كان يُطلق عليه لقب فنان الشباب..
وعقب رحيله – المفجع – فوجئ الناس بأن عمره كان على وشك أن يغدو معاشياً..
ومن ثم يستحق لقب دفعة؛ وصيحة يا دفعة..
ولكنه كان يبدو شاباً؛ مظهراً… وروحاً… وصحةً..
بينما آخر كان يظنه الناس دُفعة – ودفعة زيدان – اتضح أنه صغيرٌ رغم مظهره..
ولا نعني بمظهره الصلعة الصلعاء… وإنما المظهر العام..
ومن ثم فإن السنوات الزمنية قد لا تعبر عن حقيقة عمر المرء..
وإنما العمر الحقيقي هو البيولوجي الذي يتمظهر شكلاً..
ودراسة محلية أشارت إلى ظاهرة شبابية غريبة في السودان..
ظاهرة الإصابة بأمراض كانت – وإلى وقتٍ قريب – وقفاً على الكبار فقط..
أمراض كالضغط… والسكري… والجلطة..
وكذلك ما يستدعي تناول المقويات؛ ونكتفي دون مزيد شرح..
هذا فضلاً عن ظاهرة الصلع… والشيب… والتجاعيد… حتى لتظن أن الشاب ستيني..
وتشهد بلادنا لأول مرة ظاهرة شاب معاشي..
فيكون بذلك مستحقاً – وعن جدارة – لصيحة مرافقي ذاك: يا دفعة..
ولقب دفعة!.