د. كمال الشريف يكتب: مونديال المقاطعة وعقوبات الخرطوم
30 ديسمبر 2022م
على هامش الدعوة التي ذهبت بها إلى قطر، التي تربطني بها علاقات لزيارات ومناسبات كبيرة وكثيرة منذ القرن الماضي وكنت هذه المرة على مدرجات مونديال القرن كأس العالم، الذي أقيم في عدة مدن قطرية، نعم عدة مدن قطرية.
جلست على هامش دعوة الاخوة القطريين هذه المرة مع احد المحترمين من أسرة آل ثاني الذي اعرفه منذ تسعينات القرن الماضي، والرجل زاهد ومعتق بعشق السودانيين.
سألته؟
ذهلت أنا بالمدن والمواقع والتنمية المذهلة التي أقيمت في قطر في زمن وجيز، وانتم ربحتم قرعة الفوز بتنظيم المونديال، وأيضاً وقعتم في إشكال سياسي مصنوع مع دول الخليج في دائرة المقاطعة معها، وحصل ما حصل في فترة المقاطعة التي استمرت لأكثر من خمس سنوات.
وتأتي اليوم ارقام مذهلة تحكي عن صرفكم مليارات الدولارات التي تزيد عن ٢٠٠ مليار لتنظيم كأس العالم..
سكت الرجل وابتسم وردّ: ما أجمل فترة المقاطعة علينا،
نحن استثمرنا فيها كل حبة رمل وكل نقطة ماء من السماء وكل لتر غاز وكل جهود مواطن أو مقيم أو متطوع أو صديق حتى لا تجف قطر، وكان استثمارا رائعا وقويا لأصدقاء قدماء، وآخرين انضموا إلى قائمة المتعاطفين معنا، كسبنا ايام وسنين المقاطعة ما كنا نبحث عنه سنينا، وهو تكاتف كل من يوجد بداخل الدولة من مقيمين وزائرين ومواطنين طبعاً، لم نخسر أموالاً، ولم نخسر إنساناً، ولم نخسر استثمارا لمشتقاتنا النفطية والبحرية، كسبنا الجولة في الإنسان في الداخل أولاً، وفي تطوير أفكار أخرى لواقع أصبحت لنا مزارعنا ومصانعنا وبنيات تحتية تدب في مواقع الدولة بعلمية ومهنية عالية جداً جداً وبإخلاص وأمانة لكل من عمل فيها.. انتهى حديث الشيخ القطري.
تذكّرت هنا عقوبات ومقاطعات أمريكا وجماعتها في العالم للسودان إبان فترة ما يُسمى بالعقوبات الأمريكية، راجعت أن رجال دولة وتجار سياسة واقتصاد استثمروا هذه العقوبات لمصالح شخصية بمشاركة طفيفة واسمية مع الحكومة، وجاءت لي ورقة بيانات في الأيام الأخيرة لحكومة الإنقاذ أن استثمارات رجالات الحكومة، أي حكومة الإنقاذ في عقوبات أمريكا للسودان وصلت لأكثر من ٢١ مليار دولار في مجالات مختلفة للدخول مع شركات وسيطة حتى تأتي المنتجات الأمريكية أو من يحالفها من الأوروبيين، ويمنع عن السودان تحت طائلة العقوبات الأمريكية، وأن نهضة بدائل قد تمت مع الصين بشراكات مذهلة لتغطية فراغ العقوبات الأمريكية للسودان، وأن اثر دمار هذا الاستثمار للعقوبات خارج مواعين الدولة في السودان قد يستمر سنينا طويلة حتى يتبدل.
وراجعت هنا ما كتب عن خسارة قطر لكأس العالم، وتابعت كل ما يكتب عن ذلك، وعرفت أن قطر لكأس العالم قد خسرت ٧ مليارات دولار فقط، وأن العائد كان كما ذكر ٨ مليارات ونص، وأن مليون ٤٠٠ ألف سائح تجولوا في قطر طيلة ٣٠ يوماً، دفعوا وانتجت معهم منتجات جاءت بأرباح تزيد عن المليار وربع لقطر.
وإن ما ذكر عن ٢٢١ مليار دولار خسرتها قطر لكأس العالم كان رقماً آخر وهو في الأساس وضع لاستراتيجية قطر ٢٠٣٠م.
ولكن المقاطعة وما شهدته من روح تفاؤل وتكاتف ومشاركة وإصرار جعلت تقريب استراتيجية قطر ٢٠٣٠ إلى قطر ٢٠٢٢ التي شهدها العالم في فعاليات المونديال المختلفة وكل البنية التحتية المذهلة التي اقامتها قطر ليشهدها العالم في ايام المونديال، ويأتي استثمار آخر لقطر من خلال وصف ومشاهدات العالم من الداخل والخارج لنهضة قطر وتفتح هي بدورها برنامجا آخر، تفتح من خلاله الأبواب لاستثمارات مختلفة لكل دول العالم في قطر.
إذن، المقاطعة بمختلف اشكالها وبرامجها جعلت قطر تكون رابحاً أكبر.
أولها في استثمارها للإنسان في أراضيها، وثانيها وجود البدائل وليست الانتكاسات التي تبناها السودانيون ايام العقوبات، بأن كل ما حدث من انهيار لبنيات البلاد المختلفة هو بسبب العقوبات الأمريكية، وربحت قطر مونديالاً للتاريخ، وأيضاً ربحت نتائج مذهلة لاستثماراتها المختلفة لسد عجز المقاطعة، وخسر السودان ايام العقوبات، سودانير وملايين الأطنان من الصمغ التي كانت تهرب، وباقي مشروع الجزيرة ووحدة انسانه وأراضيه، وقيمة عملته واستثمارات أجنبية مختلفة لصالح الأرض والإنسان، وربح أشخاص فقط من العقوبات مليارات الدولارات.