مروة علي تكتب: حذّروا المقبلين على الحياة من الرِفاق والفرَاق
صَديقي يقرَبني أكثر من نفسِي، يفهَمني أكثر من نفسِي، يهتمُ لأمرِي أكثر َ من نفسِي، فِي فَترة زمَنية تَكاد تبدِو أكثر من نِصف عُمري.
ولكِن تقلّص عُمري، ارتخت يديْ اليُمني، أسنَدتُ ظَهري على الحائِط في اللحَظة التي أدارَ لي ظَهرهُ فيها، مشِيتُ على عُكاز، لم يتْرك لِي الوقت لاستيِعاب شيء، كان كمن يسحبُ بُساط من تحتي بِسرعة، سحبةً واحدة ويَلقينِي أرضاً.
صدِيقي يَشبه قِطاراً مر سريعاً من هُنا، كغَفوةٍ في على مقعدِ انتظار، كالرمل تسربتَ من بين أصابِعي، كظِل الشِتاء، كلحظةِ فرقعة الألعابُ النَارية تبدو جميلة لبُرهةٍ ثم تنطفئ سريعاً، سَخَا بكل ما كان بينَنا، سَخِر من سهَرنا، بُكاؤنا، سعادَتنا، خُصوصياتنا، ضحَكاتنا، سرق أسرارنا ووعودنا وغادر من أضيق الأبواب، بَصق علي أيامنا الحِلوه، والمُره معاً.
لم نَعُدْ رِفاق، لم يَعُدْ يذّكرني، مُذْ أن سَاد الصمتُ بيننَا، إلا إذا سَّكِرْ يقول “سلام”، وأنا لم أتطرّق إلى سيرتِه يوماً، علني أمحو أثر غُصّة العمر.
تلاشى كُل ما بينَنا كتلاشِي ضوءٍ صغيرٍ في زقاَقٍ مُعتم، وأنا هكَذا لم أحِن ولم أفكر فيما حدث، فقط تأثرتُ بصمت، لا أدرِ عنه شيئاً ولكِني لم أستَطِع التحَكم بحجِم الضرَر الذِي لحِق بي. لم أستطِع التفاعُل مع صَمتِه عن التبرير كأقل شيء يُمكنَه فِعله، صمتة أكبر من أن يستَوعِبه عقلي! وصمتِي عن مُعاتبتَه أكبر من أن يستَوعِبه عَقله. الأمر أشبه بأول ثوانٍ من إصابتَك برصاصة قاتلة، كيف تهدم كل هذه المُدة في ثلاث ثوانٍ وبكلمتين؟ بصيغة الأمر لا الطلب.
فلْتعِ جيداً يا من لم تَعُد رفيقي أن هنالك خسارات مُربحَة دوماً، مثلما هنالك مَكاسِب خاسِرة، الأهم هو الصِّدق فقط لا الاستمرار، الأمان لا الغَدر، التمَسّك لا التخَلي والأهم دوما الراحة، والوضوح.
ما معنى أن تسير مُحاذٍ للشَاطئ وأنت تَكره البَحر؟ يزعجُك الموج، ما فائِدة أن نستمِر إذ يُمكن أن تقصِيني بمُجرد أن تَرمي بِكلمتين كمن يرمي بِحجر نَرد.
ما فائدة أن نستمر إذ لم يكن هناك داعٍ؟! لذلك حذّروا المقبلين على الحياة من الرِفاق والفرَاق…