أديان السودان.. تاريخ من المحبة والتعايش
عرفها إنسانه منذ ما قبل التدوين
أديان السودان.. تاريخ من المحبة والتعايش
كتب: فرح أمبدة
احتفلت الطوائف المسيحية في السودان أمس الأول “الاثنين 25 ديسمبر” بعيد الميلاد، حيث دقت أجراس الكنائس وإرتفعت أصوات الترانيم، في العاصمة الخرطوم، ومدن أخري وإمتلأت شوارع العاصمة عصر الاثنين بالشابات والشباب المحتفين بعيد الميلاد، ويقول المؤرخون، أن المسيحية انتشرت في السودان منذ القرن الثالث الميلادي، وبحلول نهاية القرن السادس تحولت الممالك النوبية الثلاثة وهي نوباتيا والمقرة وعلوة إلى المسيحية، وفي القرن السادس الميلادي عرف الأقباط طريقهم إلى السودان هربًا من الاضطهاد في مصر، وحتى القرن السادس عشر، كانت أجزاء كبيرة من سكان النوبة لا تزال مسيحية، حتى جاءت الثورة المهدية (1881-1898) حيث تراجعت الهجرات المتقطعة لمعتنقي الديانة المسيحية للسودان ومن هم داخله فضلوا الهجرة، قبل ان يفتح الغزو الأنكلو- مصري في عام 1898 للبلاد الباب أمام هجرات جديدة للمسيحيين عموماً والأقباط على وجه الخصوص.
طوائف وكنائس
في الوقت الراهن وبحسب أرقام غير رسمية، يمثل المسيحيون ثلاثة في المئة من عدد سكان البلاد البالغ أربعين مليون نسمة، ومن الكنائس في السودان، الكاثوليكة وتعتبر من أكبر الطوائف الكنسية في البلاد، وهناك كنائس البروتستانت، وتنقسم إلى عدة كنائس منها الأسقفية،الإنجيلية، المسيح السودانية، المسيح الداخلية، إفريقيا الداخلية، اللوثرية الأسقفية، واللوثرية الإنجيلي، اما كنائس الأرثوذكس فتضم إضافة إلى الأقباط، الجاليات المهاجرة إلى السودان، واللاجئين الأثيوبيين والأرتريين، وتضم الكنيسة القبطية، والإثيوبية، والأرترية، والأرمنية، واليونانية، والروم الكاثوليك.
التسامح المدهش
يقول الدكتور أحمد سمي جدو، أستاذ علم التاريخ بالجامعات السودانية لـ(الصيحة): بفضل التداخل التاريخي بين شعوب السودان الأصيلة والوافدة وعبر التاريخ صار السودان بلد التعدد الثقافي والإثني والديني بشكل لا مثيل له في العالمين الأفريقي والإسلامي بحيث يعد التعايش الديني بين المسلمين والمسيحين في السودان أنموذجاً يجسد التسامح بين سكانه ومعتقداتهم في اسمي معانية خاصة وان كل الطوائف المسيحية في السودان سواءً أكانت الكاثلوكية أو الأرثوذكسية أو البروتستنية والأقباط بما فيهم البطارقة والقساوسة في السودان مثلهم مثل رفقاءهم السودانيين المسلمين يتعايشون معهم ويتواصلون مع كل فئات المجتمع المسلم بغض النظر عن أديانهم أو طبقاتهم المختلفة دون أدنى تنافر ويعيشون في أمن وسلام، بل ويشاركون المسلمون في أفراحهم وأتراحهم ومناسباتهم الدينية والاجتماعية الأمر الذي أثار دهشة زوار السودان من الخارج.
ويضيف: المسيحيون موجدون وسط مجتمعهم السوداني في تعايش وسلام، وكذلك مؤسساتهم الدينية تعيش في أمان ولم يعتد عليها أحد وهم يمارسون طقوسهم الدينية وهذا حقهم كمواطنيين سودانيين وحتي لو لم يكونوا سودانيين دون ان يتعدي عليهم أحد، بل ليس من حق احد ان يتعدي عليهم (هم مواطنون سودانيون ومن حقهم ممارسة شعائرههم بحرية تامة وفي جو من التسامح والعيش الكريم).
نهكة سودانية
ويقول سمي جدو: ما يميز السودان من غيره هذه التعدد الفريد وهذا القبول المدهش تاريخيا بين مكوناته، وذو النهكة الخاصة، إذا كان السودان يتقبل الآخر القادم من خارج الحدود لأي سبب ويسمح له بممارسة طقوسه وعباداته فما بالك بابناء جلدته، السودان بلد متسامح وأي مظهر لا يشي بذلك فهو استثناء وليس أصل.
ويختتم سمي جدو في حديثه لـ(الصيحة) قائلاً : عبر التاريخ الشعوب السودانية متعايشة ومتسامحة فيما يتعلق بحرية الأديان وحتي الفترات التي حدث فيها نوع من الخلل بفضل سياسات قصيرة النظر هي فترات استثنائية وكانت ذلك السلكوك مرفوض من الشعب السوداني بدليل قيامه بالثورة التي احتثتهم (الطوائف الدينية المسيحية ليست بعيدة عن النسيج الاجتماعي السوداني فهي متغلقة داخله وتتمتع بكل حقوقها بدليل النجاحات الاقتصادية التي حققها البعض من معتنقيها حتى صارت تمثل أنموذج ومثال، ولو لم يكونو مقبولين وسط مجتمعهم لما شكلو هذا النجاح ، السودان ملاذ ومتكأ آمن لكل سكانه وانصهرت فيه كل هذه الثقافات والأديان، حتي اختلطت فيم بينها، ولهذا يشكل السودان دولة انموزج في أفريقيا).
حالة السلم الديني
يقول د. عثمان سراج الدين فتح الرحمن، أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع ـ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا- الإمارات العربية المتحدة في مقال نشر بمجلة مؤمنون بلا حدود الإلكترونية وحمل عنوان السودان مسلمون ومسيحيون:
العلاقة بين الإسلام والمسيحية في تاريخ الدولة الحديثة في السودان، وما قبل ذلك، يكاد لا يُلحظ فيها طبيعة التعصب الديني، فخارطة الأديان في السودان ظلت تعيش حالة السلم الديني، لكن هذا لا يمنع من وجود ونمو بؤر التوتر هنا وهناك.
ويضيف: على الرغم من أن المسيحية تعتبر من أعرق الأديان التي استوطنت أرض السودان، حتى قيام أول دولة عربية إسلامية في السودان في القرن الرابع عشر الميلادي، إلا إن نسبة المسيحية (إحصاءات غير رسمية) لا تتجاوز نسبة 15% من سكان السودان، قبل انفصال دولة جنوب السودان في نوفمبر 2011، وما بعد الانفصال تقدر إحصائيات غير رسمية أن نسبة المسيحية في السودان الآن 4% من إجمالي دولة السودان.
24 طائفة مسجلة
وحسب إفادات سابقة لمجلس الكنائس السودانية توجد 36 طائفة مسيحية، منها 24 طائفة مسجلة، ويقيم المسيحيون في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المدن الكبرى، مثل الخرطوم، وبورتسودان، وكسلا، والقضارف، والأبيض، والفاشر. كما يتركز المسيحيون أيضاً في بعض أجزاء جبال النوبة وولاية النيل الأزرق.
وهناك جماعات صغيرة نسبياً موجودة منذ زمن من المسيحيين الأقباط الأرثوذكس والروم الأرثوذكس في الخرطوم، وفي الأبيض في شمال كردفان، وولايات نهر النيل والجزيرة، وفي المناطق الشرقية من البلاد، أما جماعات الإثيوبيين والإرتريين الأرثوذكس والتي تتكوَّن إلى حدٍ كبير من اللاجئين والمهاجرين فتتواجد في الخرطوم وفي الجزء الشرقي من البلاد.
وتشمل المجموعات المسيحية الأخرى الكبرى كلاً من الكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الأنغليكانية الأسقفية، وكنيسة المسيح السودانية، والكنيسة المشيخية الإنجيلية السودانية، والكنيسة المشيخية في السودان، بينما تشمل المجموعات المسيحية الأصغر الأخرى الكنيسة الأفريقية الداخلية، والكنيسة الرسولية الأرمنية، والكنيسة الداخلية السودانية، والكنيسة الخمسينية السودانية، وكنيسة الأدفنتست السبتيين، وشهود يهوه.
تعايش ومحبة
يتعايش سكان السودان عبر التاريخ القديم والحديث في تجانس واحترام بين معتنقي الديانات، وظلت خارطة الأديان في السودان تعيش حالة السلم الديني، باستثناء السنوات العشر الأولى للنظام السابق حينما تم تحويل الحرب الدائرة بين جنوب السودان وشماله – منذ العام 1955- إلى حرب مقدسة بين دار الإسلام ودار الكفر، وإعلان الجهاد في الحرب، وزج الشباب تحت راية الجهاد في الجنوب، لكن الحياة المعتادة عادت إلى وضعها الطبيعي عقب اندلاع الثورة وسقوط النظام، ولم تسجل أي أحداث ذات طابع ديني.
تثبيت الأحقية
يذكر أن الإعلان الدستوري الذي وقع في أغسطس من العام 2019 ثبت أحقية سكان السودان في حرية المعتقد الديني والعبادة ” وصادقت الحكومة الانتقالية الأولى على قانون التعديلات المتنوعة (الحقوق والحريات الأساسية).
فيما نص الاتفاق الإطاري الذي وقع قبل اسبوعين على حرية الاديان في السودان والمساواة بين مواطنية بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس.
دين الأغلبية المطلقة
يقول أستاذ علم الاجتماع، د. عثمان سراج الدين فى مقاله آنف الذكر، أن السودان يمثل فسيفساء للأديان قبل وبعد انفصاله بوجود الأديان السماوية والوضعية، وتاريخ السودان رغم التوترات بين الحين والآخر، يمثل أرقى حالات التعايش الديني، وبالرغم مما يسود السودان من حالات الحروب والصراعات، إلا أن مرجعتيها لم تكن أبدا دينية، وإنما مرجعتيها إثنية قبلية ثقافية، لكنه لا يغفل تغلل طوائف أخري حديثه في السودان .
الإسلام الصوفي
الوقوف عند القول بأن غالبية أهل السودان من المسلمين السنة فيه كثير من التضليل حسب قول الدكتور سراج الدين : نحن أمام تيارات وجماعات إسلامية متعددة، خاصة في أعقاب التغيُّرات الإقليمية والدولية في تسعينيات القرن السابق، لكن التيار الصوفي حسب رأية هو التيار السني من أهم التيارات الإسلامية السودانية على الإطلاق، لقدمه ولحجم المنتسبين إليه، ولانتشاره الكبير في المناطق الجغرافية وبالذات في وسط السودان، ويتركز هذا التيار في المناطق الريفية، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة بدأ في التواجد في المناطق الطرفية الحضرية، ويمثل التيار الصوفي قمة التعايش السلمي مع الأديان الأخرى مقارنة مع التيارات الإسلامية التي ظهرت في العقدين السابقين هو التيار الشيعي، وإن كان قليل العدد إلا أنه بدأ ينتشر وسط طلاب الجامعات السودانية.
الديانات السودانية
وبجانب المسلمين الذين يشكِّلون الأغلبية المطلقة، والمسيحية التي تعتبر دين الأقلية، هناك -أيضاً- جماعات صغيرة من السكان لهم معتقداتهم المحلية لا تزال تتمسك بها، وحسب الإحصائيات الحكومية، هناك أقل من 1 بالمائة من السكان، في المقام الأول من ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، يلتزمون بالمعتقدات الدينية الأفريقية التقليدية.