(1)
الاهتمام بالجانب التعبيري عند محمد الأمين يتضح في كل ثنايا مؤلفاته الموسيقية.. فهو دائماً يسعى للسيطرة على النص ليس من خلال تحجيم محتوياته الشعورية والفكرية ولكن من خلال التناسق في التعبيرية مع الموسيقى وهذا ما يمنح العمل الموسيقي قوة تمشي في ذات اتجاهات النص الشعري.. لذلك ظل محمد الأمين هو الأكثر قدرة على التعبير عن مشاعره من خلال المؤلف الموسيقي ويعبر عن ذلك ببلاغة متناهية وتخطيط داخلي عميق.. وهذه السمات ظهرت باكراً عنده ، ففي أغنية (الجريدة) التي كتبها الشاعر فضل الله محمد في الستينات ، كانت الأغنية (ظاهرة) تفكيرية جديدة في كتابة الشعر وخروجا عن المألوف والأنماط التي كانت سائدة في ذلك الأوان، حيث التزمت القصيدة بفكرتها من بدايتها حتى نهايتها وتسلسل أفكارها بمنطقية للتعبير عن المحتوى.
(2)
تأثر محمد الأمين بالمدرسة العربية في التأليف الموسيقي وحتى على مستوى المفردة الشعرية وذلك يتضح بجلاء في اختياره لأغنية (طائشة الضفائر) للشاعر نزار قباني وهي تعتبر من أغاني البدايات في تجربته الغنائية، وتنوّعت تلك الاختيارات وأضاف لها قصيدة (سوف يأتي) للشاعر الطيار تاج السر كنة وهي من الأغاني المكتوبة باللغة العربية الفصحى:
يا نديمي
دعك من عثرات قولي
واترع الكأس تناجي الكون مثلي
لا تظُنني أُبيد العمر لهواً
إذ أنا جسمٌ بِهِ البركان يغلي
**
سوف يأتي باسم الثغر يُلوح بالأماني
طي عينيه بريقٌ وغموضٌ ومعاني
يحمل الروح إلي
يزرعُ العطف نديا
يسكب الآهـــــــــات همساً في ثنايا أُذنيا
وبها أحيا وأنسى ما ضناني
لا لا
لا تسلني… طي عينيه بريقُ وغموضُ ومعاني
(3)
الجدير بالذكر أن أغنية سوف يأتي التي تغنى بها محمد الأمين كتبها تاج السر كنة وأهداها للفنان الشاعر عبد الكريم الكابلي ولكنه أهمل القصيدة ومرت السنوات والتقى الشاعر مع الفنان محمد الأمين في لندن سنة 1968 وأعطاه القصيدة واحتفظ بها الفنان محمد الأمين ثم لحنها وغناها وقدمها لأول مرة بحفل كبير بقاعة الصداقة في العام 1983، ويرجع محمد الأمين السبب في تأخيرها تقديمها لعدم وجود فرقة موسيقية تستطيع أن تنفذ الأفكار اللحنية الجديدة في الأغنية وانتظر لما يقارب الـ15 عاماً ليقدم الأغنية رفقة بعض خريجي وطلاب كلية الموسيقى أمثال الفاتح حسين ــ سعد الدين الطيب ــ ميرغني الزين وعثمان النو.
(4)
رغم أن الأغنية حققت نجاحاً كبيراً وأصبحت من أيقونات الغناء السوداني ولكن هجرة شاعرها الطويلة بمدينة لندن غيّب الكثير عن سيرته الذاتية، والشاعر الملقب (بالشاب الظريف) واسمه بالكامل (تاج السر محمد إدريس كنة) ولد في عام 1938 بقرية مراغة شمال مدينة دنقلا ويرتبط نسبه الشاعر تاج السر كنة بذي النون المصري.. وبعد أن بلغ ثلاثة اشهر من العمر وتوفيت والدته فتعهّدته خالاته وعماته بالرعاية، وفي طفولته انتقل والده محمد إدريس كنة الى مدينة عطبرة للعمل في السكة حديد وفي عطبرة بدأ تاج السر حفظ القرآن الكريم في الخلوة، وفي عطبرة تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي .. وأنهى دراسته في المدرسة المتوسطة، وفي 1952 التحق بمدرسة وادي سيدنا وكان ناظر المدرسة وقتها الأستاذ عوض ساتي وهو أول سفير في لندن بعد الاستقلال.
(5)
أنهى الشاعر تاج السر كنة، دراسته الثانوية سنة 1956 وبعد ذلك التحق بكلية الطب في الخرطوم الجامعية والتي كانت تسمى سابقاً كلية (غردون التذكارية) ولم ينسجم تاج السر مع دراسة الطب رغم مرور سنتين على التحاقه بالكلية الطبية، وكان تاج السر مولعاً بالطيران وكان يحلق بخياله بعيداً عن كلية الطب.. ففي سنة 1958 نال تاج السر بعثة للتدريب على الطيران في مدينة بيرث الأسكتلندية فتفوق على أقرانه ونال الشهادة خلال 9 أشهر وقد نشرت جريدة الصحافة أول قصيدة لتاج السر كنة 1957م.