تنقذني الطبيبة ..!

“احترس من الطبيب الشاب والحلاق العجوز”.. بنجامين فرانكلين ..!

هل تعتقد – يا سيدي – أن التشريعات والقوانين الصارمة في الخارج لها دور في تقنين الممارسات الخاطئة للطبيب السوداني مقارنة بسلوكه المهني داخل الوطن، حيث تتقلص مساحة بعض التشريعات وتضيق أوعية بعض القوانين ..؟!

كان السؤال أعلاه هو مفتاح حديثي مع طبيب سوداني مهاجر – يشار إليه في دولة مهجره – ببنان الإعجاب والإشادة .. فأجاب: لا أعتقد أن الخوف من المساءلة هو السبب الرئيس، لكن – في تقديري – أن العامل الأساسي الذي يحدد موقع الطبيب من معسكر ضبط الجودة هو نوع التدريب الذي حصل عليه، لأن إعادة صياغة شخصية الطبيب تتم في أثناء التدريب الطبي الذي يختلف تماماً عن باقي المهن الأخرى .. فمن الممكن جداً أن يتقدم طبيب للتدريب في تخصص معين ويتم استبعاده لأسباب تتعلق بمقوماته الشخصية، مثل عدم المقدرة على اتخاذ القرار وضعف المهارات السلوكية .. إلخ .. وبعد حصول الطبيب على مثل هذا التدريب الطبي المتكامل سوف يعمل بنفس مستوى الجودة ولو كان ذلك في جزيرة معزولة ..!

أغرتني إجابته الشافية بالسؤال التالي: هل يمكن الجزم بأن غياب التدريب هو سبب مشاكل الطب في السودان؟! .. فأجاب: إن مشكلات ممارسة الطب الكبرى في السودان وجود كليات طب كثيرة، وخريجون بدون مدربين في المستوى السريري وفوق السريري.. على العكس مما كان سائداً عندما كان طالب الطب في الجامعات السودانية يرافق الطبيب المختص يومياً ولمدة أربع سنوات كاملة، من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثانية ظهراً .. بينما اليوم يتنقل أستاذ الطب من جامعة لأخرى دون أن يكتسب الطلبة التدريب الكافي ..!

وفي المستوى السريري أصبح الوضع أسوأ بعد أن كنا رواداً بشهادة جامعات وكليات ملكية عالمية .. أطباء كثر بدأوا مشوار التخصص في السودان في جامعة الخرطوم، ووزارة الصحة التي كانت تعمل في تناسق مع مؤسسات أخرى مثل السلاح الطبي وجامعة الجزيرة .. وبفضل أساتذة كبار مثل محمد يوسف سكر، وزاكي الدين وعمر بليل وعلي كمبال وسليمان صالح فضيل وغيرهم ممن لهم كل الفضل ولا يتسع المجال لذكرهم .. الذين كانوا حريصين على التطوير بقدر حرصهم على رصانة العملية التدريبية وصرامتها، وقد عملنا في عدة دول بكفاءة والحمد لله دون مواجهة أي صعوبات ..!

وعندما سألته عن الجدل الذي يثار من حين إلى آخر حول عدم أخلاقية امتناع الطبيب المضرب عن العمل عن إسعاف المريض؟! .. قال: إن هذا الموضوع قتلته نقابة الأطباء بحثاً، وهي إحدى إشكالات انعدام الديمقراطية عندما ينقطع تواصل الأجيال، فتثار مسائل محسومة منذ زمن .. الطبيب المضرب عن العمل بسبب تدني الأجر من المفترض أن يسعف حياة المريض، ولكن إسعاف المريض في حال تدني أو انعدام أو غلاء سعر الدواء أو الفحص المعملي أو الإشعاعي غير ممكن، وبالتالي لن تكتمل رحلة العلاج .. ونفقد المريض ..!

فإهمال حقوق الأطباء جزء من إهمال العملية العلاجية كلها. الطبيب المظلوم المهموم لا يستطيع إنقاذ المريض. لذلك إبراز القضية بهذا الشكل القصد منه إحراج الأطباء وإفشال سعيهم وليس الدفاع عن المريض. فالاستمرار في العمل هو سلوك شكلاني أقرب إلى الغش منه إلى المساعدة، لأن الخدمات العلاجية الأخرى – ببساطة – غير موجودة..!

على صعيد آخر – وإن كان ذا صلة – قبل عام أو يزيد تناقلت الصحف أخبار محاكمة مريض تم اتهامه بقتل طبيبه الاختصاصي، وكان دافعه لارتكاب جريمته “معلومة” كان مصدرها طبيب آخر، مفادها إصابته بالعقم، جراء خطأ طبي تسبب فيه الطبيب المقتول..!

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى