الخرطوم: أم سلمة العشا
وَسَطَ ترقُّبٍ وحذرٍ، كانت جموع غفيرة من قبيلة الإعلاميين بوسائلهم كَافّة تنتظر ما تسفر عنه نتائج تحقيق أهم الأحداث التي نَجَمَت عن أحداث فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني في صبيحة الثالث من يونيو 2019، وبالرغم من ضيق المكان المُخَصّص لعقد التنوير الذي حَمَله رئيس اللجنة، فتح الرحمن سعيد، واكتظاظ القاعة وامتلاء جنباتها بالصّحفيين، والصحفيات، إلا أنّ الرجل استطاع أن يدلي بكل شاردة وواردة في سَردٍ مُتناغمٍ ومُفَصّلٍ منذ بداية عمل اللجنة لمهامها، ومواصلة عملها بوتيرةٍ مُستمرةٍ، حيث خلصت نهايات التقرير الى تورُّط مجموعة من الضباط تتبع إلى قوات الدعم السريع بارتكاب مَجزرة القيادة العامة.
منهجاً دقيقاً اتّبعه رئيس اللجنة المُكَلّفَة بالتحقيق في أحداث فض الاعتصام الذي حدث في 3/6/2019، بدأ بالقرار الصّادر بتشكيل اللجنة، واختصاص عملها ومنهجيتها التي اتّبعتها في التّحري والتّحقيق، بجَانب المَصَادِر والمَراجع التي اعتمدتها في عَمِلَها، كل ذلك تَمّ إيضاحه بالتّفصيل، فرئيس اللجنة مولانا فتح الرحمن سعيد خَبِرَ الدرب القانوني لسنواتٍ طوال، ومسيرته العَمَلِيّة في عمل النيابات خير دليلٍ على ذلك، حَيث ابتدر الحَديث، وقال: في ديسمبر مَن العَام 2018 ثَارَت جُمُوع من الشعب السوداني ضد النظام السَّابق جَرّاء الأوضاع الاقتصاديّة التي مَـــــرّت بها البلاد، واستمر هذا إلى أن استقر بهم المَطاف لاعتصام المُواطنين أمام القيادة العامة للجيش بتاريخ 6 أبريل 2019 وبالتزامُن تكوّن تجمُّع آخر بشارع النيل ويسمى بمنطقة “كولومبيا” المُتاخمة حُدُود منطقة الاعتصام، وبَرَزَت منه مُمَارَسَات سَالبة وخَارجة عن القانون مِمّا شَكّلَ مُهَدِّداً أمنياً، الأمر الذي حَتَمَ عَلَى السُّلطات المُختصة ضَرورة مُكَافَحة هذه الظّواهر لِوضَع خُطةٍ أمنيةٍ لنظافة ما يُسمى منطقة “كولومبيا”، وأضاف: بتاريخ 3 يونيو 2019 تمّ فض ساحة الاعتصام، وإزاء ذلك مَارَسَ النائب العام المُكَلّف سلطاته بمُوجب قانون النيابة العامة لسنة 2017 وشكّل لجنة تحقيق لتلك الأحداث لتحديد المَسؤوليات الجنائية ومَن المسؤول عن واقعة فض الاعتصام.
تحقيق استقصائي
أسلوب تحقيق استقصائي اتّبعته اللجنة وباشرت مهامها بعد أن أدّت اليمين أمام النائب العام وفقاً لقرار تَشكيلها، وأكّد رئيس اللجنة أنّ أسلوب التحقيق الاستقصائي المُباشر اُتّبِعَ مع القُوّات التي شاركت في نظافة منطقة “كولومبيا” أو شُهُود العِيَان من المُعتصمين الذين كانوا مُتواجدين بتاريخ الأحداث، وأتَاحَت اللّجنة الفُرصة كَاملةً لكل أعضائها لاستجواب الشهود ذوي الصلة بالوقائع حتى تصل إلى حقيقةٍ كاملةٍ، مِمّا ترتّب عليه توصُّل اللجنة وتحديد المسؤوليات لوضع النتائج والتّوصيات وفقاً لما يرد في هذا التقرير.
خفايا وأسرار
خفايا وأسرار التّحري والتّحقيق، كَشَفَ عنها رئيس اللجنة فتح الرحمن سعيد، مجموعة مُتكاملة كانت حَاضِرَةً في التحقيق والتحري الذي أجرته اللجنة بكامل عضويتها، ولم يَستثنِ كل من له صلة بالأحداث، فقد بدأت تحريات اللجنة مع أفراد القوات النظامية المُختلفة ذات الصلة بالموضوع، وزيارة مَكان الحادث وتَكليف الأَدِلّة الجنائية بإعداد تَقريرٍ عَن مَسرح الأحداث.. استجواب المُواطنين المُعتصمين بساحة الاعتصام في يوم 3 يونيو 2019 وإعلانهم عَبر وسائل الإعلام المُختلفة للحُضُور لمُقابلة اللجنة للإدلاء بشهاداتهم، لم تتردّد اللجنة بتكليف الجهات ذات الصلة والأجهزة العَدليّة التي شَمَلَت النيابات وأقسام الشرطة المُختلفة وذلك بِمَدِّها بالبلاغات المَفتوحة ذات الصِّلة بأحداث ساحة الاعتصام وهيئة الطب العدلي، بولاية الخرطوم لإعلان الأطباء المشرحين لاستجوابهم، وتحديد دُخُولات المشارح وأسباب الوفاة بتاريخ 3 يونيو 2019، تكليف الإدارة العامة للأدلة الجنائية بإعداد تقرير مسرح للحادث، وتحريز الفارغ من الذخيرة ورفع آثار الدماء وتحليلها والإفادة حولها.
استجوابٌ تَامٌ
استجوابٌ تَامٌ، لكل الجهات الرسمية، بما في ذلك مُديري مُستشفيى رويال كير والمُعلِّم، الموجودين يوم 2 يونيو، والتكليف للجنايات الرسمية لمد اللجنة بمُحتوى كاميرات المُراقبة في أو بالقرب من ساحة الاعتصام، وأشار رئيس اللجنة إلى تَكليف قائد المنطقة العسكرية المركزية بولاية الخرطوم بالخُطة الأمنية التي تَمّ وضعها لنظافة منطقة “كولومبيا”، و(الكرنكي) المُصاحب لها، وتكليف قائد القوات البحرية والجوية لمَدّ اللجنة بأسماء ضباط وضباط الصف والجُنُود المُناوبين بتاريخ 2 يونيو 2019، تكليف إدارة العمليات البحرية ومَدّ اللجنة بخُطة نظافة منطقة “كولومبيا” بتاريخ 3 يونيو 2019، تكليف وكيل وزارة الصحة الاتحادية ومَدّ اللجنة بإحصائية الروكنيات والمصابين، تكليف الأدلة الجنائية بإعداد التقرير الفني لمسرح الحَادِث وإعداد كُرونكي لساحة الاعتصام.
مَراجع قانونية
مَصادر ومَراجع قانونية اعتمدت عليها لجنة تحقيق فضّ الاعتصام والتي منها قرار تشكيل اللجنة الصّادر من النائب العام، والذي يحدد الاختصاص المَكاني والنّوعي للجنة، قانون الإجراءات الجنائية لسنة1991، القانون الجنائي لسنة 1991، قانون الاشتباه لسنة 1994، قانون النيابة العَامّة لسنة 2017، قانون القُوّات المُسَلّحة لسنة 2007 تعديل 2013، المَعَايير الدُّوليّة للتّحقيق، وقد حرصت اللجنة باستصحاب المَعَايير التي يعتمد عليها المُجتمع الدولي في حالات إجراءات التحقيق.
مبدأ الشفافية
طَبّقَت اللجنة القوانين السارية، وقَامَت بمُراعاة مبدأ الشفافية في إجراءاتها، حيث إنّها أعلنت عبر وسائل الإعلام المُختلفة كل المُواطنين الذين لديهم معلومات حول الواقعة بالحُضُور للإدلاء بشهاداتهم حَول الوَاقع المُحَدّد، وقال سعيد إنّ اللجنة استمعت لعددٍ من شُهُود العيان في ساحة الاعتصام، وأدلوا بشهاداتهم دُون تأثيرٍ أو إكراهٍ من قِبل اللجنة، واستدعت اللجنة كل من له صلة من القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع وجهاز الأمن، وقوات الشرطة المُوحّدة دُون أيِّ إبطاءٍ أو عرقلة، كما أنها اعتمدت اللجنة في تَحقيق عددٍ من المُصابين والمُتوفين داخل ساحة الاعتصام على سِجِلات الأقسام والمُستشفيات وأوامر التشريح الصّادرة من النيابات، إضافةً إلى اعتماد السِّجلات الرّسمية للشرطة، دفاتر الأحوال أو البلاغات.
تفاصيل عميقة
(59) شاهداً استمعت إليهم اللجنة ضَمّ وكلاء نيابة، مُواطنين بمنطقة كولومبيا، مُزارعين، شهود من القوات المُختلفة، قُوّات مُسَلّحَة، دعم سريع، جهاز الأمن، شُهُود من الأطباء بالمُستشفيات والمشرحين، وشُهُود من المُعتصمين بساحة الاعتصام، وذوي الشهود، كما تَحَصّلت اللجنة على 29 مستنداً شمل تقريراً فنياً مُصوّراً عن مُعاينة منطقتي الاعتصام وكولومبيا، صادر عن الإدارة العامة للأدلة الجنائية، ملخص دُخُولات المشارح للفترة من 3 يونيو وحتى 10 يونيو 2019 صادر من هيئة الطب العدلي، الخُطة الأولى المعدة من قائد المنطقة العسكرية بتاريخ 1 يونيو 2019 لنظافة منطقة كولومبيا، كشف بأسماء الضباط المناوبين برئاسة أركان القوات الجوية بتاريخ 2/6/2019.
مُمارسات سالبة
إقرارٌ واضحٌ من رئيس اللجنة باستغلال مجموعة من المُتفلتين للمواطنين المُعتصمين أمام مقر قيادة الجيش في السادس من أبريل 2019 بتكوينهم تجمُّعاً آخر بما يسمى منطقة كولومبيا، وتمت فيه ممارسات سالبة وغير قانونية وأصبح مهدداً أمنياً، وقال سعيد إن السلطات اضطرت لاتّخاذ الترتيبات اللازمة لتنظيم هذه المنطقة في 3/6 /2019، وقد صدرت التعليمات للقوات المُنفِّذة بعدم التّجَاوُز لمنطقة الاعتصام، وكشف رئيس اللجنة أنّ ضابطاً برتبة اللواء ركن (أ. س. أ) قام بإصدار الأوامر للعقيد ركن (ع. ع. م) بتحريك قوة مكافحة الشغب التابعة لقوات الدعم السريع ولم يكونا ضمن القادة المعنيين بنظافة منطقة كولومبيا، ولم تكن لديهما أيِّ تعليمات أو أوامر بالمُشاركة في تنفيذ خُطة نظافة منطقة كولومبيا، وأكّد أنّه تم تحذير العميد قائد العملية بأنه غير معني بهذه القوة، إلا أنه خالف تلك التوجيهات وقام بقيادة قوة معسكر الصالحة داخل ساحة الاعتصام، وأصدر توجيهاته بإنزال القوة من العربات وأمر القوات بجلد المُعتصمين، وأشار إلى مُشاركة قُوّات مُكافحة الشغب التابعة لقوات الدعم السريع بقيادة المقدم (ح. ب. ع) والذي حضر التنوير لعملية نظافة كولومبيا.. منطقة كولومبيا بالرغم من انها داخل منطقة الاعتصام، وارتكبت أفعالاً وضربت المُعتصمين بالعصي، وكان من ضمن القوات التي تسببت في فض الاعتصام، وأكّد سعيد أنّ القوات المنفذة لعملية نظافة كولومبيا هي قوات مشتركة، قوات الحماية والتأمين لكوبري النيل الأزرق.
أعيرة نارية
وكشف رئيس اللجنة عن وجود شَخصين مُلثّميْن بساحة الاعتصام يطلقان أعيرة نارية، بجانب أشخاص مجهولين يطلقون أعيرة نارية أيضاً على المُعتصمين من أعلى بناية مجمع البشير الطبي يرتدون الزّي الملكي، وتبيّن للجنة أن عدد المتوفين داخل وخارج ساحة الاعتصام بولاية الخرطوم في الفترة من يوم 3 وحتى 10 يونيو 2019، (87) شخصاً، منهم (17) شخصاً توفي بتاريخ 3/6 2019م.
إجراءات قانونية
تَعَهُّدات قاطعة أكّدها رئيس اللجنة بأنّ جميع حالات الوفاة بساحة الاعتصام تَمّ اتّخاذ الإجراءات القانونية بشأنها لدى النيابات بولاية الخرطوم تحت المادة (51) إجراءات جنائية وتم تعديل بعضها إلى المادة (130) من القانون الجنائي لسنة 1991 القتل العمد، وكذلك بعض حالات الإصابات، وَأكّدَ عدم وجود أيِّ حالات اغتصاب اُرتكبت داخل ساحة الاعتصام أو حالات وفاة نتيجة لحرق النار بتاريخ 3/6 2019. ولم تتوصّل اللجنة لأية إفادة من المُستشفيات وأقسام الشرطة بوجود حالات اغتصاب.
جرائم وعقوبات
وقال رئيس اللجنة إنّ إجراءات جنائية ستتم في مُواجهة كل من اللواء ركن (أ. س. أ)، عميد ركن (م. م. ع،) العقيد ركن (م. ص. م)، العقيد ركن (م. س. أ)، مقدم (ح. ب. ع)، رائد (أ. د. م)، رائد (أ. ع. أ) تحت المواد (186/ أ/ و/ م) من القانون الجنائي لسنة 1991 تعديل لسنة 2015، وهذه المادة بعنوان الجرائم ضد الإنسانية، ويُعاقب مُرتكبها بالإعدام أو السجن المُؤبد.
وتَعَهّدَت اللجنة باستمرار الدَعاوى الجنائيّة المَفتوحة بالنيابات تحت المواد (130)، (139)، (182) من القانون الجنائي في مُواجهة أفراد قوة الصالحة والحماية ومُكافحة الشغب، وأشار رئيس اللجنة إلى أنّ النائب العام خاطب المجلس العسكري بمحضر التحقيق الخاص للجنة المُشَكّلة منه.