“الفكاهة هي منطق جُنَّ جنونه”.. غروشو ماركس..!
أضحكني بقدر ما أدهشني موقف الإعلام المصري من اشتباهٍ بوقوع اللاعب الجزائري “رياض مُحرز” في خطأٍ غير مقصود، عندما نسي أن يُصافح رئيس وزراء مصري ووزير رياضتها، عند صعوده إلى المَنَصّة لتسلُّم كأس بطولة الأمم الأفريقية – التي أُقيمت في مصر الشهر الجاري – وفَضْلاً عن اشتعال شبكات التّواصُل الاجتماعي بالكثير من الهراء الذي لا طائل منه بشأن قضية عَدَم المُصافحة هذه، فقد بَلغت الكوميديا مَدَاهَا عندما تَقَدّم محام مصري ببلاغ ضد “رياض محرز” هذا، مُتّهماً إياه بتعَمُّد تجاهُل مُصافحة رئيس الوزراء المصري ووزير الرياضة، أثناء تَسَلُّم كأس البطولة..!
وقد ظَلّ الإعلام المصري يشبع هذا الأمر نقداً وتحليلاً، حتى اضطر اللاعب الجزائري – المُتّهم بتعمد تجاهُل المصافحة – إلى التعليق على كل هذا الصخب قائلاً: إنه لم يتعمّد إطلاقاً عدم مُصافحة رئيس الوزراء ووزير الشباب والرياضة المصريين، فكل ما في الأمر أنه قد صَافَحَ كل الواقفين على المَنَصّة بالفعل، بما فيهم الثنائي المذكور أثناء استلامه الميدالية الذهبية، قبل عَودته مَرّةً أخرى لاستلام الكأس، وحينها ذهب إلى رئيس الاتحاد الأفريقي مُباشرةً، وإن سبب عدم مُصافحته للمذكورين هو أنه قد صافحهم بالفعل عند صعوده إلى المَنَصّة في المرة الأولى..!
فهل سَكَتَ الإعلام المصري؟! كلا بالطبع. لا تزال هنالك جريمة أخرى قَامَ بارتكابها المُعَلِّق الرياضي الجزائري “حفيظ دَرّاج”، الذي زار عائلة اللاعب المصري “محمد أبو تريكة”، نجم النادي الأهلي والمنتخب المصري السابق، والمُتّهم بالإخوانة ودعم الإرهاب. فكيف له أن يزور أهله في قريتهم، وهو يعلم أنّه شخصٌ مغضوبٌ عليه رسمياً من قِبل سلطات بلاده. ثُمّ كيف له أن ينشر عبر حسابه على موقع “تويتر” صُوراً له مع عائلة “أبو تريكة، ثُمّ يُعَلِّق عليها مُلقِّباً إيّاهم بالعائلة المُحترمة، ومُلقِّباً “أبو تريكة” – نفسه – بأخي العزيز..!
لم يتفهَّم الإعلام المصري – الذي اعتبر نشر الصُّور والإعلان عن الزيارة جرأةً تقف على تخوم الوقاحة – أنّ المُعلِّق الرياضي الجزائري هو زميل للاعب المصري “أبو تريكة” بقناة “بي إن سبورت” التي يقدم ” أبو تريكة” تحليلاته الرياضية عبر أشهر برامجها. بل قامت قيامته ولم تقعد. ونسي – أو تَجَاهَلَ – أنّ الجمهور الجزائري نفسه قد ظَلّ يَهتف باسم “أبو تريكة” بحُلُول الدقيقة “22” من إحدى مباريات البطولة، في إشارةٍ منهم إلى الرقم “22” الذي كان يرتديه أثناء لعبه للنادي الأهلي والمنتخب المصري..!
هَذا مَا كان من أمر السبب الظاهر، أما السبب الخفي والحقيقي – بطبيعة الحَال والمَآل – فهو فوز المنتخب الجزائري بالبطولة بعد خُرُوج المنتخب المصري منها. وكان الأجدى والأوفق للإعلام المصري أن يتحلّى بالرُّوح الرياضية اللازمة، وأن يفرح بالنجاح الكبير لبلاده في تنظيم البطولة على نحوٍ رائعٍ كان مَحَط أنظار وإشادة العالم..!
لا أن يتعاطى مع الفائزين على طريقة “الكديس” مع الفأر عندما قابله على ظَهر المَركب، ولم يجد سبباً لافتعال مُشاجرة تنتهي بالقبض عليه ومن ثَمّ التهامه سوى اتّهامه بأنه قد قام بكشح التراب عليه وهما في عرض البحر. وفي رواية أخرى – من تراثنا الشعبي – أن الفأر هو الذي بَادَرَ “الكديس” بالسَّلام، وقام بتقديم واجب العزاء في وفاة والدته، فما كان من “الكديس” إلاّ أن خاطبه قائلاً – وهو يتلمَّظ باعتبار مَا سَيكون – “أمي بيعزوا فيها كدي؟!. إنت ما تجي تقلدني وتبكي معاي أمي”. أو كما قال..!
أما السبب الحقيقي للصمت المصري عن الأحداث الأخيرة الجارية في السودان – على الرغم من كونها جُزءاً من الحلف السعودي، الإماراتي الداعم للتغيير في السودان – فسببه الحقيقي آخر، وموضوعه مقال آخر..!
منى أبوزيد