رئيس المجلس الانتقالي لحركة تحرير السودان نمر محمد عبد الرحمن لـ(الصيحة) (1-2)
أُطلِق سراحُنا باستحقاق ثوري دون أبعاد أخرى أو مساومات
أهل دارفور ينتظرون قرارات شجاعة من المجلس العسكري
أي حديث عن حلول جزئية وعدم مخاطبة القضايا الرئيسية غير مقبول
ما زال الطريق طويلاً حتى نرى دولة المُواطَنة في السودان
الاتفاق مع العسكري ناقص ويحتاج لمزيد من الجهد
لابد من إعلان وقف العدائيات وإطلاق النار وفتح المسارات الإنسانية
هناك ضغوط دولية ولكن يجب ألا يكون على حساب مصالحتنا الوطنية
حاوره: صلاح مختار
تصوير: محمد نور محكر
أطلق المجلس العسكري أخيرًا عدداً مقدراً من أسرى الحركات المسلحة في بادرة حسن نوايا بعد سقوط النظام السابق، ونجاح الثورة الشعبية.
وكان من بين أسرى الحركات، هناك أسرى للحركة الشعبية جناح عبد الواحد نور، ربما المناسبة كانت بالنسبة لهم مهمة، وهم يغادرون ظلمات السجون إلى نور الحياة في خارجها، يتنسمون عبق الحرية ويتوسدون ظلال الثورة، الخطوة بالنسبة لهم مهمة، كما قال لي رئيس المجلس الانتقالي لحركة تحرير السودان نمر محمد عبد الرحمن، لأنها جاءت، وهم يدفعون استحقاقات الثورة وخرجوا في رحابها، ولكن يظل ملف الحرب والسلام مُقدّماً لديهم على كل الملفات.
ويبدو أن تمسك الحركات المسلحة بالأولويات واحدة من الأسباب التي أدت إلى تمدّد السقف الزمني في مفاوضات أديس بين الحركات وقوى الحرية والتغيير…
الحوار شمل جملة من المحاور حاولنا فيها معرفة رأيهم فيها، فماذا قال؟
*بداية… كيف كانت أيام الاعتقال ولحظات إطلاق سراحكم؟
– هي لحظات صعبة، أن تصفها بتفاصيلها الدقيقة.. أيضاً أيام الاعتقال تناسيناها بمجرد أن رأينا الاستقبال الجماهيري الكبير لنا، أما لحظات الاعتقال، فكانت بالطبع قاسية جداً خاصة في السجن الحربي.
أما في السجن المدني فكان الوضع أفضل ومختلفاً تماماً لأنها كانت تشتمل على مجموعة من الأنشطة إلى جانب أن إدارة السجن متعاونة معنا إلى حد كبير, أتاحت لنا فرصاً للتدريب والتعليم.
كذلك كانت الفرصة متاحة لنا للدراسات العليا، بيد أن ضيق الفترة الزمنية والفرص الدراسية فقد حالت دون ذلك، بالتالي معاملتهم لنا كانت أخلاقية وكريمة تليق بمستوى حقوق الإنسان خاصة في سجن الهدى.
*بموجب أي اتفاق تم إخراجكم من السجن؟
– نحن خرجنا باستحقاق ثوري بعد إسقاط المؤتمر الوطني من السلطة، وبالتالي بسبب الحق الثوري تم أسرنا، ولذلك كنا في السجون. وعندما تم تغيير النظام كان بالضرورة ومن غير الممكن أن نتواجد في السجون في نفس الوقت الذي يتواجد فيه البشير في السجن، ولذلك تم إطلاق سراحنا باستحقاق ثوري دون أبعاد أخرى أو مساومات أو أي شيء يذكر. وبالتالي الواجب الثوري الذي بموجبه تم اسقاط الحكومة هو الذي بموجبه تم إطلاق سراحنا، وأن نكون أحراراً.
*هل لديكم أسرى آخرون في السجون أم أنتم آخر مجموعة؟
-بالتأكيد هناك بعض الرفاق موجودون في السجون في سجن بورتسودان، لدينا (9)، إضافة إلى (16) بسجن الفاشر, وفي نيالا في سجن كوريا هناك(8) منهم. وفي سجن كوبر هناك (5)، كذلك في سجن الهدى لدينا (9) من منسوبي الحركة. هؤلاء تم القبض عليهم في معارك عسكرية, وتمت محاكمتهم. ولكن نحن وضعنا يختلف تماماً عنهم، كنا طيلة الفترة منتظرين, ولم نقدم إلى المحاكمة إلى جانب ذلك قدمنا مذكرة طالبنا فيها بإطلاق سراحهم لأنهم جزء أصيل من المشكلة والأحكام التي كانت في مواجهتهم سياسية.
*خرجتم باستحقاق ثوري، ولكن ما تعليقكم فيما يجري الآن من تفاوض والحديث عن اتفاق؟
– كنا متفائلين بأن الشعب كله انتفض في ثورة وطنية نبيلة أطاح بالنظام الذي كان عقبة أساسية أمام تنمية البلد وإيجاد عقد اجتماعي حقيقي لإيجاد نظام ديمقراطي حقيقي في السودان، وخلق دولة المواطنة المتساوية، كل تلك العقبات، كان المؤتمر الوطني هو الذي يصر في أيامه على الحلول الجزئية والترضيات والمساومات. كل ذلك كان منهجاً يعمل به الوطني. ولذلك كقوى تسعى إلى التغيير محتاجون لكل الناس خاصة الذين نادوا بالتغيير منهم الحركات المسلحة والحركات الشبابية، كلهم يعملون مع بعض. ما زال هنالك مجهود كبير لابد أن يبذل حتى نرى دولة المواطنة والديمقراطية الحقيقية في السودان، إلى جانب التداول السلمي للسلطة، وأرى أن ذلك هو التحدي الكبير الذي يواجهنا كدعاة تغيير أمام الشعب السوداني.
*هل ما زال التحدي موجوداً رغم التغيير؟
– بالتأكيد التحدي موجود، ولكن خطوة التغيير الأولى انطلقت فقط تحتاج إلى تضافر جهود الجميع دون إقصاء، نحن نتفاءل بذلك، ونعمل مع الشركاء لتحقيق ذلك المحتوى.
*هل يُلبّي الاتفاق المُوقّع طموحاتكم في تحقيق أهداف الثورة؟
-كخطوة أولى الاتفاق بالنسبة لنا ناقص، يحتاج لمزيد من الجهد مع القوى التي نادت بالتغيير. لذلك كنا نتحدث عن وجود قضايا أساسية يجب أن تُخاطَب, كنا نتحدث فيها عن تلك القضايا مع رفاقنا في قوى إعلان الحرية والتغيير، ونحن جزء منها في الجبهة الثورية، كنا نريد منهم مخاطبة القضية السودانية كحزمة واحدة.
*ما هي حزمة القضايا السودانية التي تحدثت عنها كأولوية؟
– مثلاً، نحن في مناطق دارفور إلى جانب إقليم جبال النوبة والنيل الأزرق بما فيه شرق السودان بجانب قضية أمري والمناصير وكجبار، هذه كلها قضايا متعلقة بقضية السلام والحرب، قلنا كل تلك القضايا تناقش في حزمة واحدة، ويجب عدم التركيز على السلطة فقط في مسألة تقسيم السلطة في المجلس السيادي والجهاز التنفيذي والمجلس التشريعي، الموضوع أكبر من ذلك.
*ولكن تلك القضايا جزئية من قضية السلام؟
– هي كذلك، ولكن مثل قضية الوضع الإنساني، وأنت تعلم الوضع الإنساني في دارفور متدهور جداً، الناس يحتاجون لقرارات شجاعة من المجلس العسكري بعودة المنظمات إلى دارفور، وفي جبال النوبة وأنت تعلم مجريات التفاوض ما بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني في السابق، والذي تم بموجبه وقف الإغاثة والتي أصروا أن تأتي من الشمال، ولم يعطوا فرصة بدخولها من جنوب السودان، يجب أن تُعطى تلك أولوية، وتصبح واحدة من الأجندة، إضافة إلى قضية النازحين واللاجئين، وقضية التحول الديمقراطي، كل تلك لم يتحدثوا فيها، بل انصب تركيزهم على قضية تقسيم السلطة والفترة الانتقالية.
*هل من خطة لتنفيذ تلك الخطوات لديكم؟
– نريد أن نضع الهيكلة العامة لعمل الفترة الانتقالية من الآن. وبالتالي إذا تم تجاهله من الآن ستكون الفترة الانتقالية مشغولة بقضايا أخرى. وأنا أعتقد أن القضية هي أولويات بالنسبة لنا، وهي قضية الحرب والسلام كيف تكون موجودة.
*ولكن تم الاتفاق على تخصيص الـ(6) أشهر الأولى من الانتقالية للسلام؟
– فيما يتعلق بعملية التفاوض، نعتقد أنها عملية شاقة جدًا جربناه في أبوجا وأخذ معنا (18) شهراً. كذلك جربنا التفاوض بين الحركة الشعبية بقيادة الراحل د. جون قرنق، وبين الحكومة منذ عام 2003 حتى 2005، حيث تم التوقيع على الاتفاقية إضافة إلى مفاوضات الدوحة أخذت مدة زمنية طويلة. ولكل ذلك قلنا المدة الزمنية التي حددت بالـ(6) أشهر غير كافية لمعالجة كل تلك القضايا.
*ولكن عملية السلام تتوقف على الترتيبات الأمنية؟
– الحديث عن ملف الترتيبات الأمنية الشاملة، وكل القوات تصبح في منظومة واحدة تحت منظومة القوات الوطنية السودانية يحتاج إلى ملف كامل حتى يتم النقاش فيها لفترات طويلة. الآن لدينا جيش تحرير السودان, وهناك الجيش الشعبي لتحرير السودان, وحركة العدل والمساوة لديها قوات عسكرية, هنالك قوات عسكرية أخرى تحتاج أن تشملهم الاتفاقية، بعد ذلك تحتاج إلى فتح ملف الثروة والسلطة، وملف التعويضات والرجوع إلى القرى وتعميرها قبل وبعد العودة، ولذلك ملف الـ(6) أشهر غير كافية إطلاقاً لعملية السلام، كذلك نحن نحتاج لإجراء مصالحات شاملة لرتق النسيج الاجتماعي في دارفور وجبال النوبة، وفي شرق السودان، يمكن بعد ذلك أن ننطلق دون تحديد المدة الزمنية.
*كيف كانت علاقتكم بقوى التغيير؟
– فعلاً كنا جزءاً من عملية الحرية والتغيير في البداية، قمنا بإعلان وقف إطلاق النار الشامل حتى نتيح الفرصة للانتفاضة الشعبية لتحقق الأهداف، وفي تقديرنا الانتفاضة الشعبية واحدة من وسائلنا لتحقيق الهدف، كذلك السلاح وسيلة. ولذلك أعلنا وقف إطلاق النار الكامل، في الجبهة الثورية أتحنا الفرصة لبداية السلام، كذلك وجهنا جماهيرنا بالخروج والمشاركة في الانتفاضة الشعبية السلمية بعد ذلك حصل التطور الذي قادنا إلى تكوين قوى إعلان الحرية والتغيير نحن جزء منه.
*رغم ذلك، هناك اختلافات بينكم في كثير من القضايا؟
– صحيح هناك تباين في وجهتات النظر، ولا أقول خلافات. وهي ليست بالشكل الكبير، ولكن هي ترتيب أولويات، قوى إعلان الحرية والتغيير تركز في اتجاه الحديث عن المجلس السيادي والتشريعي والجهاز التنفيذي، والاختلاف نحن نرى أن هنالك قضايا تسبق هذا الموضوع المتعلق بقضايا الحرب والسلام والقضايا الإنسانية والنازحين وغيرها، بعد ذلك نأتي إلى ترتيب مشاركة الناس كلهم هذا هو مصدر التباين.
*ما هو تعليقكم على ما يجري في أديس، وهل أنت متفائل بما ينتج عنه من اتفاق؟
– قبل قليل، كنت في اتصال معهم لمعرفة آخر التطورات ولكن أقول إذا كان هنالك استعداد لمناقشة كل القضايا في حزمة واحدة بالنسبة لنا هو الأفضل، وبالتالي كل القضايا لا يمكن حلها بالتجزئة، ولو قسمنا القضايا سندخل في مشكلة أخرى. لابد من ترتيب الأولويات وإعطاء الأولوية للقضايا التي تقودنا إلى السلام أولاً، لابد من إعلان وقف عدائيات عامة، ووقف إطلاق النار الشامل بآلياته وفتح مسارات للمساعدات الإنسانية، كلنا نريد المشاركة في الحكومة الانتقالية.
*هل يتم بعد الاتفاق مع العسكري أم ماذا بعد تشكيل الحكومة؟
– هذا يتم من خلال تبني كل قوى إعلان الحرية والتغيير هذا البرنامج قبل التوقيع مع المجلس العسكري، وهو برنامج لابد أن نلتقي حوله نحمل قضية النازحين واللاجئين كقضية قصوى إضافة للوضع الأمني، من بعد ذلك يمكن الحديث عن المجلس السيادي أو غيره. نريد أن نعتمد هذه الورقة منا كقوى التغيير في المقام الأول حتى لا تكون هنالك أشياء بمعزل عن الأخرى، بعد ذلك يتم الحديث مع المجلس العسكري، أنا لا أحبذ أن تكون هنالك اتفاقيات جزئية، وأن الهدف المركزي هو التحول الديمقراطي في مرحلة انتقالية تديرها كل القوى التي شاركت في التغيير.
* هل القضية مسألة مشاركة (وشير) أو محاصصة في وجهة نظركم للسلطة؟
– ليس صحيحاً، وحتى لا يفهم الناس هذا الموضوع ولو قلنا قبلنا لقبلناه ليست محاصصة.
*كأنك ترى أن هنالك استعجالاً في الوصول إلى اتفاق؟
– قلت في وقت سابق إن الاستعجال لا ينفع، وأن المرحلة محتاجة إلى التحكم والسيطرة والعقلانية, وكل القضايا يجب أن تكون واحدة، فإذا كان هنالك من يقبل بالإيواء السياسي والمساومة كان المؤتمر الوطني مستعداً ليفاوضنا ويمنحنا وزراء، ولكننا رفضنا، ولذلك أي حديث عن حلول جزئية وعدم مخاطبة القضايا الرئيسية يصبح غير مقبول. نحن نعتقد أن هناك اتجاهاً لعمل ملتقى دستوري لوضع أسس بشكل صحيح، وأن تكون كل القوى مشاركة فيه الجيش وقوات الدعم السريع والشرطة وكل القوى التي وقفت وساهمت في التغيير لأنهم جزء أصيل وسيشاركون بفعالية.
*هناك من يرى أن ضغوطاً خارجية، ومن الشارع تقود التفاوض بينكم وقوى الحرية والتغيير في أديس أبابا؟
– صحيح، أنا أشعر بأن هنالك فراغاً إدارياً ودستورياً. وهناك ضغوط دولية خاصة من الاتحاد الأروبي، ومن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الاتحاد الأفريقي، ومن الدول التي ساهمت في حل المشكلة مثل أثيوبيا وجنوب السودان وتشاد ومصر، ولكن رغم ذلك لا يمكن أن تكون تلك الضغوط أعلى قيمة من جهد الشعب السوداني حول قضية التغيير ونقاشنا لقضايانا.
*ولكن قد يرى البعض أن أولئك لهم حقاً ومصالح في البلاد؟
– ما في (زول) لديه الحق أن يدفعنا نحو الاستعجال، علينا أن نفوت الفرصة عليهم حتى لا نعود إلى المربع الأول بعد (63) سنة. أعتقد ليس هناك شخص لديه الحق أن يملي علينا ما نريد نحن، ولكن يجب مخاطبة تلك الجهات الدولية بأن حالة الاستعجال تعود بنا إلى المربع ما قبل الأول.
*هل هنالك سبب في تاخير إعلان الحكومة؟
– لو كانت هنالك ضرورة ملحة ولسد الفراغ الموجود بالدولة يمكن كقوى تغيير تكليف البعض للقيام بمهمة إدارة الدولة لفترة مؤقتة حتى يتم ترتيب الأمور، وعلى المجتمع الدولي المساعدة في ذلك.
*هل المجتمع الدولي لديه استعداد لمساعدة السودان؟
– نحن متفائلون باستعداد المجتمع الدولي لتقديم خدمات للشعب السوداني، ويجب مساعدة السودان في الاتجاه الصحيح وليس للرجوع إلى المربع الأول، ولو تمت مناقشتهم بهذا الفهم سيستوعبون قضية السودان.
*هل هنالك استعداد أم استعجال لتكوين أي شكل من أشكال النُظُم بالدولة؟
-قد تكون بعض الدول تضغط من أجل مصلحتها بتكوين حكومة بأعجل ما يمكن, ولكن هذا الاتجاه يتطلب منا كقادة التغيير الجلوس مع هذه الدول والتفاهم معها. لذلك الطريق معقد في السودان، لأن المشكلة خلقت من 63 سنة وبالتالي المسألة لا تحتاج إلى استعجال. ليس هناك خطورة من الحديث عن ذلك الفراغ، لأن الشعب السوداني واعٍ وضامن للاتفاقية، الآن هناك استعداد كامل من المجلس العسكري وقوى التغيير ومن الجبهة الثورية ومن كل القوى التي نادت بالتغيير للاتفاق فقط، المسألة تحتاج لوقت.