في حديثه إلى قناة “بي. بي. سي” قال رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إن المجلس اتفق مع قوى الحرية والتغيير على جزء كبير من وثيقة الإعلان الدستوري المنتظرة، وهي إفادة مطمئنة.
تصريح البرهان يشي بأنهم قد تجاوزوا الاتفاق السياسي الإطاري كهيكل إلى مرحلة بنائه وحشو طوابقه وسد فراغاته حتى التسوية الشاملة، وهو مسؤول ويعضد جدية ويظهر حسن نية، وفي نفس الوقت تقول الأخبار الواردة من العاصمة الأثيوبية أديس أبابا أن اجتماعات قوى الحرية والتغيير أوشكت على الاتفاق على تشكيل لجنة لهيكلة قوى الحرية.
انظر عزيزي القارئ إلى عبارة (تشكيل لجنة للهيكلة)، هذا يعني عدم وجود جسم قيادي متفق عليه حتى يحسن التدبير والتقدير للبت في القضايا الوطنية المصيرية والمفصلية، يتشكل جسم حتى تتمكن قوى الحرية والتغيير من الاتفاق على ميثاق قيمي وأخلاقي يفرض على قوى الحرية أن تتحدث بلسان ولغة واحدة، لا تقبل التأويل والتفسير، وهو حالهم الثابت أمام الآخر، ويحاول بعضهم جاهداً إيهام الرأي العام إعلاميًا أنهم متفقون وينطلقون من منصة واحدة. إن حالة السيولة السياسية داخل قوى الحرية والتغيير وعدم الثقة فيما بينهم تعتبر وضعاً سياسياً مقلقاً ومربكًا لأن تصريحاتهم اليومية المتقاطعة تكشف أنهم يعيشون حرباً وخلافات داخلية عميقة، وهي حالة أربكت المشهد السياسي، واستشكلت على الشعب السوداني المتعاطف مع قوى الحرية والتغيير وجعلته يعيش حالة فوضى فكرية ومنهجية عجيبة في تقدير المواقف في جميع المجالات، وبات المواطن العادي ينظر لأمر ثورته كأنه سراب واهم يلهث خلفه، رغم ـنه يحاول التمسك بهويته الثورية الأصلية، إلا أنه محبط وخائف من سرقة الثورات، وهو يعيش حالة أقرب للانتحار بسبب عدم وضوح الرؤية حوله. وما حالة السيدة نوال محمد خير التي اقتحمت في ساعة متأخرة من الليل اجتماعات قوى الحرية والتغيير بفندق جوبتر في أديس أبابا وهي تهتف بحرقة في وجه المجتمعين تطالبهم بالاتفاق ووحدة الكلمة من أجل بناء السودان والجميع كانوا واجمين أمامها، كأن علي رؤوسهم الطير كما أظهرهم الفيديو.
إن حالة نوال ما هي إلا نموذج لما يعيشه معظم السودانيين المحبطين الذين شعروا بالعزلة وضياع دولتهم وثورتهم إثر التجاذبات السياسية التي لم تنحسر حتى أمام أزمات الشعب اليومية، وهو يغالب عناء السوق وتعب الحياة والمعيشة. بيد أن قيادات الحرية والتغيير التي أوكل لهم الشعب أمره يجتهدون من أجل تدويل القضية وتحويلها قضية نزاع ورأي إقليمي ودولي دون النظر في ماضينا وماذا كسبنا من تدويل قضايا جنوب السودان انتهت إلى انفصاله وتدويل قضية دارفور التي لا تزال مضاعفاتها حاضرة بقوة في المشهد السوداني الآن.
إن قوى الحرية والتغيير لم يدركوا أن ما فعلته السيدة (نوال) هو وضع يسيطر على الكثير ممن غلبهم الرد والكلام والتزموا الصمت المريب متجاهلين الهراء الذي حولهم، لكنهم بلا شك أنهم قنبلة موقوتة متوقع انفجارها في أي لحظة مثل انفجار إطار السيارة هرباً من حالة التشوهات السياسية والضيق الشديد بكل صفاقته وفساده الثقافي والسلوكي والقيمي المهين للشعب الذي أنتج الثورة السلمية.
ما نعيشه حالة سببها الصراع السياسي العبيط الذي قتل في الناس السعادة والأمل وحوّل حياتهم إلى واقع نقدي كئيب، والتغيير أصبح مجرد ذكرى تختزنها ذاكرة البعض ممن يحتلفون بالشهداء شعراً وضرباً ونحيباً، أما التغيير الذي من أجله مات الشباب بالقطلع لم يلامس واقع السودانيين المضطرب والقلق.
أخيراً، سؤال يمثل النص المفقود للمقال: ما هو الفرق بين قوى إعلان الحرية والتغيير وقوي الإجماع الوطني ونداء السودان وتجمع المهنيين..? الذي لديه الإجابة فضلاً يبعثها لي في الإيميل الخاص، دام فضلكم ..!!