قبل السفر إلى الحج (2-2)
خامساً: أخي الحاج لقد جهزت ـ وربما شاركك في ذلك من حولك ـ فتم تجهيز أغراض سفرك وتم دفع الرسوم على مختلف جهاتها، وتم عمل التأشيرة، واستخرجت التذاكر وتم تحديد وقت السفر والمجموعة التي ستكون من ضمنها وبرنامج التفويج… إلى غير ذلك مما له تعلّق بسفرك، وأهنئك على توفيق الله تعالى لك في ذلك .
لكن اسمح لي بهذا السؤال والذي ليس له باعث إلا محبتك ومحبة الخير لك، وإن من المعلوم في ديننا العظيم أنه لن يكتمل إيمان أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وسؤالي هو: كما أن كل هذه الأمور وغيرها قد تم تجهيزها، فهل يا ترى وبنفس الاهتمام قمت بتعلم أحكام الحج؟ هل علمت أنواع النسك؟ وعرفت الفرق بين الإفراد والقران والتمتع؟ وما الذي ستؤديه منها؟ هل تعلمت صفة الحج وأركانه الحج وواجباته وسننه ومستحباته؟ هل علمت ما هي محظورات الإحرام؟ هل عرفت أعمال الحاج في أيام الحج؟ هل علمت ما هي منى؟ وما عرفات؟ وما مزدلفة؟ وما الجمرات؟ وما المبيت الواجب والمبيت المسنون؟ إلى غير ذلك مما يجب عليك معرفته .
إن من المؤسف أن كثيراً من الحجاج يقدمون إلى الأراضي المقدسة ولا يعلمون عن ذلك شيئاً ! بل إني قد رأيت بعض الحجاج وهم بلباس الإحرام في يوم التروية بمنى ويسألون: أين نحن؟ وماذا نفعل؟ وأين سنكون غداً؟ والنماذج والأمثلة في هذا الباب كثيرة جداً، بل إن من المؤسف ـ جداً ـ أن بعض إخواننا الحجاج قد يفسد حجه ويبطله بسبب جهله بأحكام الحج أو بعضها، وحال كثير منهم يقول: إننا أتينا ونيتنا الحج إلى بيت الله وأن الله سيتقبله منا على كل حال وبأي صفة!!
فيا أخي الحاج إني أوصيك أن تتعلم صفة الحج وأحكامه قبل سفرك، إما أن تتعلمها بنفسك، أو ليقم من يستطيع ذلك من أهلك أو أصدقائك أو جيرانك بتعليمك، حتى يكون عملك موافقاً لهدي النبي عليه الصلاة والسلام، وحتى يقبله الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه، وقد حجّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكان يقول في حجته وهي المشهورة بــ “حجة الوداع” كان يقول: ” لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه” رواه مسلم.
لا أظنك أخي الحاج تجهل أهمية تعلمِّك لهذه الأمور، كما لا أظن أنك لا تعلم أن تعلمك لذلك لا يقل في الأهمية التي عن الأمور التي قمت بتجهيزها، إذاً لماذا يزهد الكثيرون من الحجاج في معرفة أحكام وصفة العبادة التي يقومون بأدائها والتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ؟! أليس هذه الأعمال هي التي يرجون قبولها وأن تكتب لهم في ميزان حسناتهم؟!
وفي هذا المقام فإني أقول: إن المسؤولية في ذلك لا تقع على الحاج وحده، وإنما يشاركه في ذلك من حوله من أهله وقرابته، وقد رأينا أن كثيراً من الإخوة والأخوات يرسلون لأهلهم المبالغ للحج، ولكن لا يكون في اهتمامهم بأهلهم ـ وخاصة الكبار في السن من الأمهات والآباء ـ أن يؤدوا الحج أداءً صحيحاً، كما أن المسؤولية أيضاً في ذلك على العلماء والدعاة والخطباء والوعاظ وطلاب العلم، فإن عليهم أن يبينوا للناس ويوضحوا لهم في خطبهم ومحاضراتهم ودروسهم وبرامجهم أحكام الحج وصفته وآدابه، كما أن الجهات الحكومية المختصة عليها واجب كبير في ذلك، وخاصة وزارة الأوقاف والإرشاد، في القيام بتوجيه الحجاج ودعوتهم وإرشادهم، وتعيين الدعاة (الأكفاء) والمرشدين الخيّرين لصحبتهم، وهذا كما لا يخفى من أهم أعمال وواجبات هذه الوزارة.
وإن مما يُذكَر في هذا المقام أن حجاج بعض الدول، ومع أن بعضهم لا يقرأون ولا يتكلمون اللغة العربية إلا أنهم يأتون إلى الحج وقد تعلموا وعرفوا أحكام المناسك وأنواع النسك والطواف والسعي وغيرها، وذلك من خلال دراستهم لهذه الأحكام، بل إن من شروط الحصول على تأشيرة الحج في تلك الدول تعلُّم هذه الأحكام عبر مؤسسات ومعاهد تعمل في هذه الخدمة خصوصاً، وهذا من توفيق الله تعالى لهذه الدول ولهؤلاء الحجاج، إذ أنهم أدركوا أولوية هذا الأمر وأهميته فأعطوه من الأولوية والعناية ما هو جديرٌ بها.
سادساً: وأختم رسالتي هذه أخي الحاج بتذكيرك أن التلبية من ذِكر الله تعالى، وهي إقرارٌ واعترافٌ أن الحمد والنعمة لله وحده وكذا الملك، وبها الشهادة أنه لا شريك له سبحانه لا شريك له في ربوبيته ولا ألوهيته ولا أسمائه وصفاته، والطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار شُرِعت لذِكرِ الله تعالى، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام.
ويوم عرفة هو يوم الركن الأعظم من أركان الحج وهو يوم ذِكر لله ودعاء، والمِشعَر الحرام بالمزدلفة قد أمرك الله بأن تذكُره فيه، قال الله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين)، وأيام مِنى هي أيام ذكر لله تعالى كما جاء في الحديث، وحتى إذا قضيتَ المناسك فإن الله تعالى قد أمرك بأن تُكثِر من ذكره، قال الله تعالى: (فإذا قضيْتُم مناسِكَكُم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً)، فأوصيك أخي الحاج باستشعار هذا الأمر العظيم والاجتهاد فيه، وأن يكون ذكر الله تعالى هو أكثر ما تهتم به؛ تُسبّح الله وتحمُده وتُكبّره وتشهد أن لا إله إلا هو، وتُكثِر من الاستغفار. وبالجملة تُكثِر من ذِكر الله تعالى بما ورد في الشرع في الآيات والأحاديث الصحيحة، وتتجنّب الأذكار المُبتَدع ، واحذر أن تكون مثل الكثيرين من الحجاج الذين تذهب عليهم تلك الساعات المُباركة في تلك الأماكن المقدسة في القيل والقال وما لا فائدة لهم ولا جدوى فيه، وقد لا يتيسّر لهم المجيء مرة أخرى إلى هذه البقاع .
فاسأل الله تعالى أن ينفعك أخي الحاج بما قلته لك في هذه الرسالة الموجزة، كما أسأله ـ سبحانه ـ أن يوفقك لأداء الحج المبرور وأن يجعله من أسباب دخولك الجنة، وأن يحفظك حتى ترجع إلى أهلك سالماً غانماً قد قَبِل الله حجّك وشَكّر سعيَك وغفَر ذنبَك، وكتب الله لك الرضا والسعادة في الداريْن.
والله ولي التوفيق.. وصلَّى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.