البلابل وبشير عباس.. ثنائية لا يمكن إغفالها أبداً!!
كتب: سراج الدين مصطفى
الثنائيات الفنية:
شهد التاريخ الغنائي السوداني، العديد من الثنائيات الفنية التي أنتجت إبداعاً جميلاً وغزيراً.. ولعل التوافق الروحي ما بين أولئك المبدعين كان سبباً في رفد الساحة الفنية بأغنيات كبيرة.. والنماذج تكاد لا تحصى أو تعد .. فهناك ثنائية الشاعر فضل الله محمد والموسيقار محمد الأمين .. محمد يوسف موسى وصلاح بن البادية .. عبد العزيز محمد داؤود والموسيقار برعي محمد دفع الله .. وغيرها من الثنائيات المميزة.. وبما أن المقام ليس للحصر والحساب .. نتوقف اليوم عند محطة مهمة من محطات الغناء السوداني .. البلابل وبشير عباس .. ثنائية لا يمكن إغفالها أبداً .. ومن يعاين لأغنية بقامة (رجعنالك) يدرك عظمة تلك الثنائية .. أغنية واحدة كفيلة بأن تؤشر على أن الجمال الكبير كان هو منتوج تلك العلاقة التي اختلفت في تكوينها عن سائر العلاقات الفنية .. لأنها بدأت بشكل أسري .. وبمباركة من العم (طلسم) الذي سلم الموسيقار بشير عباس بنات يافعات كن في مهد الصبا.
الإيمان بأصوات البلابل:
البلابل لا ينتهي كل شيء حولهن.. الحوار.. الغناء والكلام.. كل التفاصيل تظل متقدة على ذات نسق الحضور الجميل الذي يزداد ألقاً كل يوم.. وكل أغنية أو كلمة نطقن بها تظل عالقة في الذهن ولا يطالها النسيان.. هاجرن لسنوات طويلة ولكن المستمع السوداني مازال وفياً وماسكاً على العهد الغنائي، لم يتنكر لهن وترك أبواب القلوب مفتوحة رغم الرحلة الطويلة التي امتدت لسنين عددا.. والحديث لهادية طلسم: بشير عباس احتضن البلابل في بداياتهن وقدم كل الممكن وهو يرى بأنه من خلال أصواتنا يمكن أن يقدم شيئاً محسوساً وله قيمة فنية يعتقد هو بأن أصوات البلابل هي الجسر الذي يقدم به العديد من الأفكار الموسيقية الجديدة.. وبشير عباس كان على درجة عالية من الإيمان بأصواتنا.
لقاء صدفة:
ويحكي بشير عباس ويستعيد بعض التفاصيل الخافية (التقيت مع البلابل عن طريق الصدفة والفريق المرحوم جعفر فضل المولى مدير الفنون الشعبية لعب دوراً كبيراً في لقائنا، حيث طلب مني أن استعين ببعض العناصر النسائية في بعض الأعمال الفنية وكن اربع وليس ثلاث، وشقيقتهن شادية اعتزلت عن حضور البروفة بسب صداع وجئن الى العمل معي، وبعد أيام حدث انقلاب 19 يوليو وفي ذات التوقيت عرض عليّ جعفر العمل في سلاح الموسيقى وبرتبة نقيب وبعد الانقلاب طلب مني تلحين أغنية أب عاج ولحنتها له وكان من المفترض أن يتغنى بها ثنائي النغم، ولكن كانا يعتذران عن البروفات، والبلابل كن منتظمات في الحضور. وقائد كتيبة نميري العقيد عثمان محمد احمد اقترح ان تعطى الاغنية للبلابل وبالفعل غنت بها.
نجاح مشترك:
وتضيف هادية مسترسلة في إفادتها: هنالك ثمة أقوال تضايقنا ونتبرم منها وهي أن بشير عباس هو الذي صنع البلابل وهو مفهوم خاطئ، وبشير عباس كان موجوداً قبلنا، حيث لحن للكابلي طائر الهوى ولزيدان إبراهيم كنوز محبة .. ونحن ما بيننا وبشير عباس مجرد ثنائية فنية كحال الثنائيات الفنية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.. وإذا كان بشير عباس (صنع البلابل) فهن أيضاً قدمن بشير عباس.. وهذا نجاح مشترك ليس فيه أفضلية هذا على ذاك.
أصوات لا تتكرر:
الموسيقار بشير عباس يحتفي بالتجربة كثيراً ويقول (من وجهة نظري ان تجربة البلابل لن تتكرر، وخير دليل على ذلك ان طول مدة غيابهن التي امتدت لخمس وعشرين سنة لم تظهر أصوات بقوة البلابل، بالإضافة إلى أن البعض أصبح لا يُفضِّل الغناء الجماعي).. وكما قال بشير عباس إن الغياب الطويل لم يؤثر على الحضور الإبداعي للبلابل.. وخير شاهد ودليل على ذلك تلك الحشود البشرية التي احتشدت بمسرح نادي الضباط في أول حفل لهن.. حيث كان حفلاً تاريخياً أكد على المكانة الكبيرة التي ظلت محفوظة ولم تتغيّر أو تتبدّل مع الأيام.