17ديسمبر 2022
“كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي”.. نيتشة..!
السياحة هي ممارسة لفضيلة الثقافة، وتنمية لوعي الإنسان بالقيمة الفنية والجدوى الاقتصادية والبُعد الجمالي في الأشياء. لذلك تبقى إشكالات المشاريع السياحية في السودان مُرتهنة بالمقدرة على تصدير الثقافة وتصدير التراث في المقام الأول..!
هي إذاً أزمة قناعة ترجع إلى طبيعة هذا الشعب الذي لم تكن السياحة يوماً جُزءاً من عاداته السلوكية أو قناعاته الاقتصادية، لذلك تجده دوماً غير مُبالٍ – أو غير مقتنع إن شئت الدقة – إذا حدثته عن كون الاستثمار في السياحة لا يقل عن أهم الاستثمارات التي يعتمد عليها دخل البلاد، ناهيك عن دوره المُتعاظم كمواطن في إنجاح ذلك..!
تلك ثقافة شعبية سائدة يحتاج تجاوزها إلى شرعنة اجتماعية بفتاوى دينية – إذا لزم الأمر! – لأننا بحديثنا عن اقتصاد السياحة نتحدّث عن “آخر مُختلف”، يدفع أموالاً ليُحظى بالمُتعة والفائدة، وهذا أمرٌ قد تنسفه نسفاً فظاظة بائع أو مشاجرة مفاجئة مع سائح محلي، أو بصقة سعوط تطير ـ طيراناً فهي طائرة! ـ لتحط رحالها على قدم أجنبية جاءت تبحث في تاريخ تضاريسنا الرسمية وجغرافيا تفاصيلنا الشعبية..!
لكن لا يزال تواضع إلمامنا بمداخل اقتصاد السياحة يؤثر جداً في قناعة حكومات السودان المتعاقبة نفسها بجدوى الميزانيات والتسهيلات الواجب منحها لقطاع السِّياحة، لذلك تتظلّم الكيانات السياحية دوماً من تقاطع السلطات بين الولايات، وتضارب الصلاحيات، وتنازع السلطات، ووقف الحال الذي تَوقّف دوماً على أدوار الآخرين..!
مشكلة الاجتهادات السياحية الجادة ـ إن وجدت ـ أن دورها يبدأ من حيث تنتهي أشواط مقدرة في أدوار معظم الوزارات، لذلك لن تنجح لمشاريع السياحة خطة أو تقوم لها قائمة دون أن يصبح التسليم بأهميتها الاقتصادية جُزءاً من ثقافة هذا الشعب وقناعات هذه الحكومة..!
ومن عجب أن معظم القائمين على أمر السياحة في السودان لا يفرقون بين النظرة المحلية المُحدّدة حول أهمية الترفيه مطلقاً، والنظرة العالمية الواسعة لمفهوم السياحة. والنتيجة أننا – قد أفقنا بعد أن أوقظتنا المحن الاقتصادية والإحن الاستثمارية – على إهدار فرص السياحة الممكنة لترقيع ثقوب الميزانية..!
ومن أسفٍ أنّ النظرة الانكفائية نحو هذا الملف قد تسبّبت في ضياع الجُهُود والدراسات والأبحاث والميزانيات التي لا ولم تفلح في إقناع أهل الحل والعقد بجدوى تخصيص ميزانية مُحترمة للنهوض بمشاريع سياحية بمواصفات عالمية وانتظار أرباحها المأمونة، المضمونة..!
لقد ظلت الحكومات المتعاقبة في بلادنا مثل سدنة الشعر العمودي “الذين يحاربون ريادة الشعر الحر، فقط لأن ليس على مزاجهم ـ الرافض للمواكبة ـ موزوناً مقفى”. الحل الاستراتيجي الوحيد هو أن تقتنع الحكومة الحالية والحكومات القادمة بجدوى الاستثمار السياحي، وأن تعمل على إقناع شعبها الكريم بأهمية دوره العظيم في تحقيق ذلك..!
munaabuzaid2@gmail.com