(الصيحة) تفتح قضايا مسكوت عنها: العنصرية والقبلية في الزواج.. آثار كارثية

– فتيات يحكين لـ (الصيحة) نماذج من معاناتهن بسبب الزواج
– محمد عثمان صالح: العنصرية الجاهلية مرفوضة
– علي بلدو: ضحايا العنصرية لا يقلون بحال من الأحوال عن ضحايا الحرب والإبادة الجماعية
– العنصرية في السودان أصبحت مرضاً نفسياً
– محمد هاشم الحكيم: هذه المسألة متجذِّرة
– خبير اجتماعي: نحن نحلِّل حالة المجتمع السودانى كما يلي (…)
الخرطوم: قسمة أحمداي- آرام كمال

هل لا يزال السودانيون يرفضون تزويج بناتهم من قبائل محدَّدة ويجبرون أبناءهم للزواج من القبيلة فقط؟
هل لا تزال العنصرية والقبلية متفشية في المجتمع السوداني فيما يتعلق بالزواج؟
أم أن ما يقال عن وجود عنصرية وقبلية في الزواج في السودان مجرَّد أوهام ولا مكان لها على أرض الواقع؟
لقد امتلأت الأسافير مؤخراً عن تفشي القبلية والعنصرية في الزواج في السودان رغم أن كثيرين ينفون ذلك ويؤكدون أن السودانيين جميعهم سواسية وأن التزاوج بينهم مفتوح على مصراعيه.
(الصيحة) سلَّطت الأضواء على هذه القضية، وتطالعونها في سياق التحقيق التالي : –
الشاب أحمد، تقدِّم إلى فتاة تعود أصولها إلى بعض القبائل، وهو – أيضاً- من نفس المنطقة، إلا أن أهلها رفضوه لأسباب عنصرية.
وتقول شقيقة الفتاة لـ( الصيحة): إن أسرتي لم تطقه ولمدة عام كامل لم نعطه الرد، غير أنه عاد مرة أخرى مصراً على الزواج منها.
وعن شقيقتها تقول إنها موافقة على الزواج منه وتقول إنه رجل محترم وذو أخلاق ومقتدر.
تقول ياسمين آدم: طلبني شاب من قبيلة معينة وأنا من قبيلة أخرى غير أن أهلي رفضوا رفضاً باتاً، وقالوا: لا يمكن أن أتزوَّج منه مطلقاً ورغم أنني أدخلت وساطات كثيرة إلا أنهم رفضوا أن أتزوَّج من قبيلة الشاب الذي جاء للزواج مني.
وأضافت: أنا فتاة رضخت في النهاية لقرارهم، لكني قلت لهم: لا فرق بين الناس ولقد أصبت بخيبة أمل كبيرة.
رفض حاد
بخيتة، مواطنة من شرق السودان، قالت بحسرة وألم إن أهلها يرفضون أي زوج يتقدِّم لها من قبائل أخرى، لأنه ليس من نفس القبيلة، وأوضحت في حديثها لـ(الصيحة) من قبل تقدَّم لي أحدهم من قبيلة أخرى غير أن أخي قال لي بحسم: إن تزوجتيه اعتبري نفسك ما أختي، وأنا ما أخوك، ونفس المعنى ذكرته أمي ولم يقف معي إلا شقيقي الصغير الذي وافق لأن الشاب الذي تقدَّم لي كان صديقه .
ضغوط على المرأة
يقول الخبير الاجتماعي، عمار شليعة، إن بعض الأسر تضغط على المرأة وتقيِّدها خاصة في الزواج، بدءاً من تقييد حقها في اختيار الزوج رغم أن موافقتها على الزوج حق شرعي أصيل مروراً باشتراط زواجها برجل من نفس العائلة أو القبيلة أو العشيرة أو المذهب الديني أو نفس البلد.
ويضيف أن المرأة دائماً تدفع ثمن تمسُّك المجتمعات بهذه المورثات الثقافية العنصرية .
تعريف العنصرية والقبلية
يعرِّف المختصون العنصرية بأنها مذهب سلوكي قائم على التفرقة بين البشر حسب أصولهم الجنسية ولونهم .
بينما يعدون القبيلة أحد أمراض المجتمع السوداني، حيث يتعصَّب الفرد للقبيلة في المصاهرة والزواج .
العنصرية في الزواج
يقول الخبير الاجتماعي، يعقوب حمدان، أحد سكان المجلد في غرب كردفان لـ (الصيحة): لا توجد عنصرية في الزواج، بل توجد بعض العادات والتقاليد بالنسبة لزواج الأقارب ابن العم والعمة والخال، لكنها أصبحت تتلاشى رويداً رويداً مع اتساع رقعة التعليم واتجاه الآباء والأمهات بتزويج بناتهم من ذوي الدخل الجيِّد مع غلاة المهور، ويرجع السبب إلى بذل ولي أمر البنت مجهوداً ومصاريف طائلة في التعليم ويريد لبنته حياة كريمة مع شخص ذو سعة من الرزق، وكذلك الوظيفة ذات الدخل الجيِّد تلعب دوراً في مجتمعنا بمدينة (المجلد) وتتكالب الفتيات لاختيار العريس (المرطِّب) .
لماذا الأسرة السودانية دائماً عندما يتقدَّم شخص لطلب ابنتهم للزواج يسألونه عن قبيلته؟
يرد يعقوب قائلاً: طبعاً هذا السؤال كان موجوداً فعلاً، ولكن أصبح يندثر بالمجلد، لأن فيها مجتمع خليط متجانس والمواطنة كفلت التعايش والحياة الاقتصادية فرضت نفسها، وزيادة على ذلك زاد عدد الإناث لكل أسرة، فساهم ذلك في التقليل من النظرة الجهوية، كما ساهم تعدد الزوجات في مجتمع المجلد في زيادة المواليد وأدى ذلك بشكل فعَّال في تيسير الزواج لدرء الفتنة ويسر زواج العفاف .
وفي ذات السياق قالت مواطنة، إن قضية العنصرية في الزواج في السودان مسألة معقدة، وذكرت أنها منتشرة بين مختلف السكان بالرغم من اختلاطهم .
وأشارت إلى وجود قبائل لا تتزوَّج من قبائل معيَّنة وقبائل لا تتزوَّج من الغريب كبعض قبائل الشرق .
كسر القبلية
قالت إحدى البنات: نحن شباب لابد أن نكسر موضوع القبلية في أهلنا، وأضافت قائلة: لا للقبلية لا للعنصرية، ونقول لأهلنا لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
وقالت إحدى الأمهات لـ(الصيحة) إن بعض الأمهات ذوي العصبية والقبلية الشديدة تقول لابنها لابد أن تتزوَّج من بنت أختي وأن تزوَّجت غريبة فلن أعفُ عنك .
تنشئة
عثمان طه يقول: تفشي القبلية في الزواج له علاقة بالتنشئة المجتمعية التي تربينا فيها، حيث يعتبر رجال كثيرون أن دور المرأة يتلخص في الطهي وغسيل الملابس ورعاية الأطفال ولا رأي لها في الاختيار أياً كان .
رفض
قال الوالد سليمان وهو من إحدى قبائل الغرب لـ (الصيحة) إنه لايرضى بتزويج بناته لقبائل أخرى ولا حتى أولاده، بل يجبرهم بالزواج من نفس القبيلة.
وذكرت سارة من غرب السودان لـ(الصيحة) إنها لاتتزوَّج من قبيلة أخرى، لأن أسرتها ترفض ذلك وهذا الشئ أثَّر تماماً في نفسيتها.

في حين حكت عرفة، قصة غريبة لإرضاء والدتها التي رفضت شاباً من قبيلة أخرى، وقالت لـ(الصيحة): أنا من قبائل كردفان الكبرى وأسرتي تتجنب الزواج من أي قبائل أخرى، وبعد أن تقدَّم لي شاب من قبيلة أخرى رفضت والدتي رفضاً باتاً وبعد تعب تم إرضاؤها بشراء غرفة نوم لها، لتضيف عرفة قائلة: (حتى بعد أن صرت أماً لطفلين أمي غير راضية عن زواجي ومنعت إخواتي من المجيئ إلى بيتي ولو حصل أي شئ في الأسرة ما بخبروني ولا حتى بعظموا زوجي قالوا لي: رحت فيها لأني تزوَّجت بشخص من قبيلة أخرى).
رأي جديد
في الوقت الذي يشهد فيه السودان قبلية وعنصرية في الزواج نفت فتاة من جنوب السودان -الجار القريب- وجود أي قبلية وعنصرية في الزواج، وذكرت أن الزواج يتم مع كل القبائل.
الرفض والقبول
يقول الخبير الاجتماعي عمار شليعة لـ(الصيحة): إن الزواج من قبيلة أخرى بين الرفض والقبول، وأضاف: يعتقد بعض الناس أن هناك رفض من بعض القبائل لأبنائهم وبناتهم الزواج من قبائل أخرى، ولكن نحلِّل حالة المجتمع السودانى كما يلي:
معروف في المجتمعات الريفية أن علاقة المصاهرة تبدأ بالأقربين من الأسرة كالعمومة والخؤولة مثلاً، بل أنه لما تولد بنت وهي في المهد يتم حجزها لابن عمها أو ابن خالتها حتى إذا كبروا وبلغوا الحلم أخبروهم بذلك.
ويواصل الخبير الاجتماعي في حديثه لـ(الصيحة) وإذا لم تتم المصاهرة من الأقربين فتكون من الأقربين الأبعد من رابط الجدود ثم العلاقة بالجوار في الحي ثم الجوار في القرية ثم من القرية للمدينة ولكن من الأقارب، وهكذا في كل مجتمعات السودان الريفية.
وذكر الخبير لـ(الصيحة) أما في المدن يتقدَّم الوالدان لتزويج الابن من الجيران أو معرفة جمعت الراغبين في الارتباط بموقع عمل مشترك أو مرحلة دراسية أو جمعتهما مناسبة ما، بالصدفة.
وأضاف الخبير قائلاً: إن في هذه الحالات كثيراً ما يكون الراغبات في الزواج من قبيلتين مختلفتين ويتم الزواج وتتم المصاهرة دون أي اعتراض أو ذكر أي قبيلة باعتراضها.
وأفاد الخبير أن الأسر تعترض على بعد المكان، فالرجل من الشرق ترى أسرته أن الزواج من الشمال أو الغرب سيسبب له بعد الزوجة عن أهلها وهي في أمسَّ الحاجة إليهم في حالات الولادة والمرض والوفاة، ولذلك ينصحون بعدم الزواج ولا يكون الرفض مطلقاً بسبب القبيلة.
وأضاف: إذا سلَّمنا أنه تم رفض من خارج القبيلة فأحياناً يصر الاثنان ويتزوَّجان ويرضخ الأهل، والإسلام دعا لتخيير النطف، لأن العرق دساس والتمحيص واجب في الأسرة. السودان بلد لا يعرف العصبية في ريفه وحضره وبعضها من أصوات قليلة جداً ليس لها صوت مسموع فى وطن السلام والسلم الاجتماعي.
عنصرية
من جانبه قال استشاري الطبي والنفسي والعصبي علي بلدو لـ(الصيحة): إن المجتمع السواني هو من أكثر المجتمعات عنصرية على وجه الأرض، هذا أن لم يكن أكثرها على الإطلاق منذ أن رست سفينة نوح على “الجودي” وإلى هذه اللحظة من واقع تعدد مظاهر العنصرية في المجتمع من تقسيم الناس إلى أعراق مختلفة ومواطنين بأسماء مختلفة.
المجتمع السوداني بحسب بلدو هو مجتمع يجيد النكوص والنكران وإخفاء الأمور بطريقة تدعو إلى الدهشة وكذلك يجيد تغليف المواضيع المختصة بالعنصرية بأشياء أخرى كنوع من أنواع الحيل النفسية وماكنيزما الدفاع النفسي الذاتي للخروج من الشعور بتأنيب الضمير وجلد الذات وعدم الرغبة في الاصطدام مع الشرائع والأعراف السماوية والتي حرَّمت العنصرية كلها. ولكن يتم التماهي مع هذا الأمر بنوع من أنواع الحِيَل النفسية كأنهم يتحدثون عن القبيلة أو إعطاء كل ذي حق حقه وغيرها، وكذلك يتم التكفير عن العنصرية بالأغاني المزيَّفة والخطب الرنانة، وأيضاً الأشعار التي لا تسمن ولا تغني من جوع وتعد أيضاً من أسباب تمدد هذه الظاهرة في المجتمع.
ويمضي بلدو بعيداً في حديثه قائلاً : إن العنصرية في المجتمع السوداني لها جوانب خفية لا يدركها الكثيرون ومنها أنها من أهم أسباب البورة وعدم الزواج في السودان نتيجة رفض الأسر الزواج بناءً على القبيلة والعرق والإثنية، ولكن يتم -أيضاً- استخدام وسائل أخرى لتطفيش الأزواج والزوجات المحتملين وعدم التصريح لهم بهذه المشلكة، وهذا أدى إلى شعور بعدم الرغبة في الزواج والعزوف عن الزواج، وأيضاً انتشار البورة في المجتمع وعدم السعادة الزوجية لاحقاً، وأيضاً ازياد معدَّلات الطلاق والانفصال وعدم الاستقرار الزواجي، هذا بجانب أن العنصرية تمثل عائقاً –أيضاً- في العمل والتوظيف، وفي خلق الفرص للتعليم والبعثات المختلفة، وهذا أدى إلى نوع من أنواع تطفيش الكوادر والهجرة المضادة وكذلك الشعوربالغبن وعدم الارتياح والإحباط النفسي وزيادة في معدَّلات العنف اللفظي والعنف البدني والرغبة في التمرُّد في تكوين المنظمات الإجرامية والحقد على المجتمع، وهذا -أيضاً- يفرز واقعاً من عدم قبول الآخر وعدم الرغبة في الانسجام مع الآخرين ويهدِّد المجتمع السوداني من أساسه ووجوده ويشكِّل ثقباً كبيراً في النسيج المجتمعي، وأيضاً يؤدي إلى نوع من أنواع التضاد والتنافر وعدم المواءمة بين الفرد والجماعة وهذا يخلق واقعاً نفسياً طارداً وغير متوازن ويؤدي إلى الاصطدام وإلى العنف وإلى عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، وكما يقول المختص النفسي المعروف بلدو: إن العنصرية في السودان أصبحت مرضاً نفسياً أصاب الكثير والكثيرات من المواطنين، ولكنهم لايدرون أنهم مرضى به وليس لديهم الرغبة في التعافي منه، وكذلك يتم يوماً بعد يوم ازياد هذا المرض ما أدخل المجتمع في حالة من الاكتئاب الجماعي والإحباط النفسي الشعبي، وهذا بدوره سيقود بحسب بلدو إلى اصطدام قريب ما بين المجموعات، وكما يؤدي -أيضاً- إلى زيادة في خطاب الكراهية وعدم الشعور بالسعادة، كما يؤدي في النهاية إلى انفراط العقد الاجتماعي، وبالتالي فنحن على خطر وشيك، ولا نقول إن قنبلة العنصرية هي في طريقها إلى الانفجار، ولكن نقول إنها انفجرت فعلاً وهذا بداية ضجيجها. وعن المعالجات اللازمة لهذا الأمر يقول أستاذ الصحة النفسية بالجامعات السودانية لـ(الصيحة) إنها تشمل إعادة تشكيل الشخصية السودانية وإعادة صياغة الفرد والجماعة وبث الثقافة الوطنية والثقافة النفسية والاجتماعية في المناهج الدراسية منذ الروضة والأساس وإلى الجامعات، وكذلك تفعيل القوانين واللوائح وتجريم هذا الفعل، ويسبق ذلك الاعتذارالمتبادل والتوافق على عقد اجتماعي جديد يضمن الكرامة الإنسانية ويتم في نفس الوقت إنشاء مراكز مختصة ضد العنصرية وتقديم الدعم النفسى لضحايا العنصرية بحيث أن ضحايا العنصرية هي بحسب بلدو لايقل بحال من الأحوال عن ضحايا الحرب والإبادة الجماعية.
مرفوضة
فيما قال البروفيسور محمد عثمان صالح، رئيس هيئة علماء السودان لـ(الصيحة): إن العنصرية الجاهلية مرفوضة، وقد قال الحبيب مصطفى (صلى الله عليه وسلم) :(دعوها فإنها منتنة ) وهي التي لاتراعي أخاء الإسلام أو الإنسانية .
وأضاف: لكن قضية الحسب والنسب لها مكان في الإسلام وهذا غير التعصب للأصل والعرق، بمعنى إذا كانت الشروط التي حدَّدها رسول الله متوفرة فأهمها الدين قبل الحسب والنسب، ونص الحديث جاء في النساء، ولكن ينطبق على الرجال أيضاً (تنكح المرأة لدينها ولمالها وجمالها وحسبها ونسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك).
أشياء موجودة
أما الداعية محمد هاشم الحكيم، فقال لـ(الصيحة): طبعاً هذه الأشياء موجودة رغم أن الشريعة الإسلامية تحاربها جميعاً وقد قال الله تعالى :(لقد كرَّمنا بني آدم) وقال رسول الله صل الله عليه وسلم :(لا فرق بين عربي ولاعجمي إلا بالتقوى)، (وإذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه) وأضاف: نحن لا نجبر الأسر بأن لا يتزوَّجوا من هذه القبيلة أو تلك، وهذه المسألة متجذِّرة مثلاً تجد السودان مقسَّم إلى قبائل في الشمال وفي الغرب وفي الشرق وفي الجنوب وقبائل الجنوب نفسها لا تتزوَّج من قبائل معينة،
تجد بل داخل القبيلة نفسها هذا بطن كذا لا يتزوَّج من بطن كذا، وعلَّق قائلاً : للأسف العنصرية متجذرة في السودان ويجب أن تحارب.