جريدة بريطانية : كيف تتخلص حكومة الخرطوم المقبلة من الاخوان؟
جريدة بريطانية : كيف تتخلص حكومة الخرطوم المقبلة من الاخوان؟
/ جريدة اندبندنت البريطانية
هذا التمكين أحدث هزة كبيرة في مؤسسات الخدمة المدنية
شكلت سيطرة أنصار نظام الإخوان في السودان على مفاصل أجهزة الدولة من جديد عقب الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، هاجساً كبيراً لدى مؤيدي “ثورة ديسمبر” التي أطاحت بحكم الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، مما يضاعف من أعباء الحكومة المقبلة المتوقع تشكيلها قريباً عقب التوقيع النهائي للاتفاق السياسي، وذلك من ناحية إزالة كوادر الحركة الاسلامية من مؤسسات الخدمة المدنية الذين تم تعيينهم بطرق غير قانونية، فما الآلية والخطوات التي يلزم الحكومة الجديدة في الخرطوم القيام بها للتخلص من جماعة الإخوان المنتشرين في مؤسسات الدولة السودانية؟
هزة كبيرة
في هذا السياق يقول عضو مجلس السيادة السوداني السابق الرئيس المناوب للجنة تفكيك نظام الـ 30 من يونيو واسترداد الأموال العامة خلال حكومة الفترة الانتقالية السابقة محمد الفكي سليمان، “يقع على عاتق الحكومة المقبلة كثير من المهمات التي يجب القيام بها لتفكيك نظام الإخوان الذي يمثل أهم الملفات المتعلقة باشتراطات التحول الديمقراطي، خصوصاً أن الدولة السودانية اختطفت بالكامل من قبل الحركة الاسلامية منذ اليوم الأول لانقلابها عام 1989 وفق خطة مفصلة وجاهزة، فجزء من هذه الخطة نفذ بعد المصالحة الوطنية مع نظام جعفر النميري عام 1977 وركزت على مجالات محددة منها الجانب الاقتصادي من خلال ما يسمى بالبنوك الاسلامية وشركات التأمين وغيرها، فضلاً عن الجانب الإعلامي وذلك بالعمل على بناء الكوادر والمؤسسات الاعلامية، لكن ما إن استولى هذا التنظيم على الحكم بدأ في تنفيذ خطته القائمة على تسكين كوادره في كل أجهزة الدولة وفقاً لسياسة التمكين، بعد أن قام بأكبر مجزرة داخل الخدمة المدنية بفصل آلاف العاملين الذين كانوا على قدر عال من التأهيل والخبرة”.
ويضيف عضو مجلس السيادة السوداني السابق، “هذا التمكين أحدث هزة كبيرة في مؤسسات الخدمة المدنية، إذ لم تتمكن البلاد تجاوزها منذ قيام الثورة وحتى هذه اللحظة، وبالتالي يعد هذا الملف من أهم الملفات التي تنتظر الحكومة المقبلة ويحتوي على متطلبات عدة من أهمها إزالة الممسكين بمفاصل أجهزة الدولة، لأن ولاءهم ليس للوظيفة بقدر ما هو للتنظيم، وذلك من خلال عمل دقيق يستلزم الاستفادة مما قامت به لجنة تفكيك نظام الـ 30 من يونيو التي حلت بعد انقلاب البرهان، بخاصة أنها نظمت ورش عمل مشتركة مع الأمم المتحدة واسترشدت بتجارب دولية تتعلق بالفحص المؤسسي، وكانت بالفعل تجربة مميزة اعتمدت على دائرتي القضاء والاستئناف لضمان مزيد من العدالة”.
تجاذبات سياسية
ويرى سليمان أن من المهم إزالة المعوقات التي واجهت اللجنة السابقة، مثل إيقاف دائرة الاستئناف والنظرة غير الصحيحة وغير القانونية للقضاء، لأنه نظر في قرارات لجنة التفكيك مباشرة وليس قرارات لجنة الاستئناف، كما يجب أن يكون المناخ معافى من أية تجاذبات سياسية، وعلى الجميع تجاوز هذه الأمور طالما السلطة مدنية كاملة.
وتابع، “تشير التقديرات الأولية إلى أن كادر الإخوان في أجهزة الدولة بحسب الوثائق الرسمية يقدر بحوالى 135 ألفاً، لكن في اعتقادي أن العدد أكبر من ذلك لأن اللجنة السابقة لم تصل لكل الوثائق المطلوبة، في وقت قال الرئيس السابق عمر البشير في إحدى المناسبات قبل الإطاحة به إن الدولة السودانية دولتنا وأن كل مفاصلها في يد الحركة الاسلامية”، مما يتطلب من اللجنة المقبلة وضع خطة محكمة تمثل فيها كل الجهات الحكومية حتى تتمكن من تصفية الخدمة المدنية من كوادر المؤتمر الوطني، لأنه إذا لم يحدث ذلك فستتضرر البلاد، ويجب الاهتمام بهذا الملف وجعله من أهم الأولويات”.
وأردف عضو مجلس السيادة السابق، “كذلك من الخطوات التي يجب أن تتبعها الحكومة المقبلة العمل على إعادة لجنة تفكيك نظام الإخوان مع ضرورة إجراء بعض التعديلات عليها، من خلال عقد مؤتمر جامع يشارك فيه مختلف الأشخاص المعنيين بهذا الملف من أكاديميين أو سياسيين أو قانونيين وغيرهم، حتى يستفاد من آرائهم ومقترحاتهم لتطوير عمل هذه اللجنة لتتمكن من أداء دورها بالصورة المطلوبة كاملة”.
هجوم ممنهج
من جانبه، يقول عضو تحالف المحامين الديمقراطيين في السودان المعز حضر، “في اعتقادي أن الخطوة الأساس لتفكيك نظام الإخوان تتمثل في أن يتم تعيين رئيس وزرا ء قوي ومؤمن بالثورة السودانية بعد توقيع الاتفاق السياسي النهائي، ليشرع في بناء الأجهزة الشرطية والعدلية التي ضربها الفساد بعد انقلاب 25 أكتوبر، لأنه من دون ذلك لا تستطيع لجنة تفكيك نظام الـ 30 من يونيو ومفوضية مكافحة الفساد فعل شيء، إضافة إلى إحداث بعض التعديلات في قانون مكافحة الفساد الذي تمت إجازته من حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك”.
وبيّن حضر أن تفكيك الإخوان على رغم سيطرتهم الكاملة على مفاصل الدولة السودانية ليس أمراً صعباً أو مستحيلاً، فهو يحتاج إلى أشخاص على رأس هذه المهمة لديهم نظرة وإرادة قويتين، ومن غير ذلك فكأنك تحرث في البحر، لأن هذا التنظيم قام خلال 30 عاماً بتمكين أنصاره في كل ناصية من نواصي الخدمة المدنية ومن دون الالتزام بقوانين وشروط الخدمة المدنية.
ولفت إلى أن الهجوم الممنهج على لجنة إزالة التفكيك ومكافحة الفساد السابقة لها أهدافه وأغراضه، بخاصة وأن المنتقدين لها هم أنصار حزب البشير بسبب تضررهم من قراراتها المتمثلة في مصادرة الأموال والعقارات التي استولوا عليها خلال فترة حكم حزبهم بطرق غير شرعية، فمن ناحية قوانينها فهي كافية لكن المشكلة في أجهزة الإنفاذ.
وتابع عضو تحالف المحامين الديمقراطيين، “كان من المفروض وجود لجنة عليا لاستئناف القرارات الصادرة من لجنة إزالة التفكيك خلال فترة حكومة حمدوك، لكن ظل المكون العسكري في مجلس السيادة يتلكأ ويماطل في إصدار موافقة على تشكيلها حتى وقع انقلابه، وتم للأسف بعد هذا الانقلاب تشكيل لجنة الاستئناف وقامت على الفور بإلغاء كل قرارات لجنة التفكيك السابقة وإعادة عناصر الإخوان للخدمة من جديد، فضلاً عن الأموال والعقارات التي سبق مصادرتها”.
جدل كبير
وتم تشكيل لجنة ازالة التمكين ومحاربة الفساد في الـ 10 من ديسمبر (كانون الأول) 2019، بقرار صادر من قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، لإنهاء سيطرة رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير على مفاصل الدولة.
وأثارت اللجنة على مدى عامين جدلاً كبيراً وسط المجتمع، نظراً إلى كشفها فساداً كبيراً خلال عهد البشير، إذ صادرت أراض بمئات آلاف الأمتار المربعة من قيادة النظام السابق وعلى رأسهم أفراد أسرة الرئيس المعزول، مما جعلها أكثر مؤسسة حكومية موضع شد وجذب بين تيار داعم لها وآخر معارض لتضرر مصالحه.
كما حلت اللجنة عشرات المنظمات الطوعية وصادرت أموالها لاتهامها بالعمل تحت غطاء العمل الطوعي والحصول على أراض، وكذلك صادرات شركات مملوكة لقيادة ورجال أعمال كانت تحصل على تمويل وامتيازات تدعم به أعمال الحزب الحاكم.
وأشارت التقديرات غير الرسمية إلى أن الأموال التي صادرتها لجنة إزالة التمكين تتجاوز المليار دولار، كما فصلت اللجنة مئات العاملين في أجهزة الدولة من قضاء ووكلاء نيابة وأجهزة إعلامية ووزارات بما فيها وزارة الخارجية، لحصولهم على الوظيفة من دون وجه حق، بحسب اللجنة.
وما إن حل البرهان في الـ 25 من أكتوبر 2021 مجلس السيادة الذي كان يترأسه، وكذلك الحكومة برئاسة عبدالله حمدوك، وتعليق العمل بمواد عدة من الوثيقة الدستورية، أعلن في الوقت نفسه تجميد عمل لجنة تفكيك نظام البشير لحين مراجعة قانون عملها واتخاذ موقف في شأنه.