الانطباع عن مفاوضات أديس أبابا بين الفرقاء السودانيين تشير بوضوح أننا بدأنا من جديد ندور حول الحلقة المفرغة، ونمضي في طريق قناعتنا أنه لن ينتهي بنا لسلام أو اتفاق، وأصبحت المفاوضات والجولات المكوكية بين الخرطوم ودول أفريقية وبين الخرطوم ودول عربية حكايات وقصص تروى في المجالس العامة عن تباعد الخطى بين الفرقاء رغم تزاحم المصالح على هامش منضدة الحوار، نعم لا يزال الكل بعيداً عن نقطة الالتقاء، وهنا فإني لا أرسم صورة سالبة بقدر ما أنني أتحدث عن واقع للتفاوض ظل هكذا لسنوات يراوح مكانه منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير.
إن مسألة السلام في السودان وخصوصاً في مناطق النزاعات المسلحة في دارفور وكردفان والشرق، تبقى أولوية على كل الأصوات التي ترتفع حالياً تطالب بسقوف أكبر في كيكة المصالح والمناصب للقوى الشريكة الجديدة في الحكم بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، والأهمية هنا تأتي من كون الاستقرار هو المحرك الأساسى للتنمية، ودونه فإن البلاد بوضعها الاقتصادي المنهار ستوالي الترنح والسقوط.
إذن ورقة السلام هي الأهم، ومن المهم أن يكون أبناء المناطق المعنية بالسلام في مقدمة الوفود التفاوضية، وان يكون إشراكهم إشراكاً حقيقياً، فهم أفضل من يحاور ويقارع الحجة بالحجة لإخوانهم الذين حملوا السلاح وقاتلوا الحكومة وتسببوا في كل هذا التدهور، ويجب أن نستفيد من دروس الماضي وأن نتجاوز الأخطاء التي صاحبت تشكيل الوفود التفاوضية بلا معايير تخدم القضية، ويجب ألا أكون جانبت الصواب أن قلت إن بعض المفاوضين كانت تهتم النشريات أكثر من الوصول إلى نقاط تلاقٍ وتفاهم مع الذين يحملون السلاح، ولم تكن شكاوى أهل المناطق المتأثرة من المعالجات الحكومية محلك سر، فكم من انتقادات علنية لاختيار الوفود الرسمية صدح بها ممثلون للمناطق المتأثره بالحرب، وكم من مذكرات ومساجلات صحفيه نُشرت في هذا الأمر، ولكن لم يكن في الحكومة من لديه الاستعداد ليسمع ويستجيب مما أصاب أهل المناطق المتأثرة بالحرب من إحباط، وسكتوا عن التعامل مع الحكومة لذلك نأمل ألا يكرر المجلس العسكري المنهج السابق ويجب أن ينظر إلى قيمة وأهمية المكاسب التي يمكن أن تخرج بها المفاوضات، وعليه أن يمضي في المسار الرئيس للحوار، لكونه الضامن الآن للاستقرار، وليس من حق أي قوى سياسية لا تملك شرعية انتخابية من عامة أهل السودان التصدي لملف التفاوض، لأنها باختصار لا تملك حق منحهم ولو البسيط من مطالبهم. إن استخدام القوى السياسية لملف السلام لكي تكبر وزنها السياسي أمر ليس في مصلحة مستقبل العملية السلمية.