انقلاب مذموم
منذ صباح أمس، والأسافير تضج بأخبار الاعتقالات وسط كبار ضباط القوات المسلحة في انتظار صدور البيان الذي يكشف حقائق ما حدث وتوصيف ما جرى.. وامتدت الاعتقالات لقيادات من وزراء النظام السابق بما في ذلك الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن، وهي إشارة لوجود صلة ووشائج ما بين ما يجري داخل القوات المسلحة وخارجها.. وقبل أن تقول القيادة السياسية والعسكرية كلمتها فيما جرى من اعتقالات وأسبابها هل هو انقلاب عسكري تقف من ورائه عناصر من النظام السابق؟؟ أم أنه شيء آخر..
يجدر بنا هنا رفض أي محاولة انقلابية وعسكرة لنظام الحكم في البلاد.. وإعادة عقارب الساعة للوراء وسجن البلاد تحت أقبية أنظمة عسكرية مرفوضة شعبياً ومنبوذة إقليمياً ودولياً.. لأنها غير قادرة إلا على إنتاج مزيد من الأزمات وتفريخ الصراعات وإهدار كرامة الشعب والحط من قدر الديمقراطية والاستهانة بحقوق الإنسان.. وبعد تجربة وحصاد ثلاثين عاماً من الحكم العسكري كان حرياً بالإسلاميين بصفة خاصة أن “يتعلموا” من دروس التجربة التي أذلت قيادتهم ووضعت شيخهم في السجن وشوهت سمعتهم ونشرت في أرضهم الفساد وخراب الذمم.. وقسمت الأرض التي عندما أمسكوا بتلابيب الحكم كان الوطن مساحته مليون ميل مربع فتناقص من الجنوب والشمال.. وتردى الاقتصاد واستحالت الحياة في أبريل الماضي حتى سقطت التجربة التي اتكأت على البندقية لا الشعب وانتهجت سياسة القوة لا الرأفة والرحمة، وجاء التغيير في 11 أبريل الماضي رحمة بالإسلاميين الذين تأذّوا من ما صنعت أيدى بعضهم بقيمهم الأخلاقية ومشروعهم السياسي الذي بات في المحك الآن بسبب الرهانات على العسكر وحكم الغلبة..
وإذا كانت القوى اليسارية ممثلة في الحزب الشيوعي قد سجلت في دفاتر التاريخ سبقها في الانقلاب على النظام الديمقراطي في عام 1969م، فالبعث حاول في 28 رمضان استبدال حكم عسكري إسلامي بآخر عسكري “عروبي وعلماني”، وكل هذه التجارب حصدت الفشل والبوار واللعنة من الشعب، ومهما حدث للإسلاميين من تضييق اليوم وإقصاء من دائرة الفعل وإبعاد من السلطة، فإن المستقبل أمامهم بالعودة من خلال صناديق الانتخابات بدلاً من الرهان الخاسر على البندقية التي أشبعت الوطن جروحاً وآلاماً.. ومزقته وامتهنت كرامته!!
إذا كان ما حدث أمس انقلاباً في طور الشرنقة أو دون ذلك، فقد أعلنت القيادة العسكرية للمجلس قبل ذلك عن محاولتين انقلابيتين في مناخ الانقسامات بين المدنيين والعسكريين.. وهذه المحاولة هي الثالثة في غضون ثلاثة أشهر.. في وجود مجلس عسكري يفترض على الأقل أن يجد السند والدعم والإجماع من المكونات الأمنية والعسكرية في البلاد.. فكيف يصير الحال حينما تذهب الحكومة إلى المدنيين.. ويصبح دور العسكريين ثانوياً في الحكم؟؟ وأي مستقبل ينتظر النظام الديمقراطي في مقبل الأيام إن كانت الانقلابات العسكرية ومحاولات السيطرة على الحكم تتوالى بمعدل محاولة كل شهر؟؟
على المجلس العسكري أن يتحمل مسؤولياته، ويكشف للرأي العام كامل تفاصيل ما حدث ويقدم أي عابث بالديمقراطية إلى العدالة علناً حتى يعلم الشعب ما يجري وراء البعيد عن بصره!!