كيف تصنع (دكتاتوراً)…!!
* هي حكاية قرأتها في زمن أخضر لكنها صالحة لزمن أغبر، قرأتها أيام كنا نجعل للقراءة من وقتنا نصيباً مفروضاً، أيام كنا لا نحمل كثير هّمٍّ أو رثاءً لوطن نال منه الشقاء الآن مبلغاً عظيماً…
*قرأناها حين كانت القراءة من الأمور المحورية والمهمة جدًا في حياتنا (الغضة)، قبل أن تصبح القراءة حاجة ثانوية وتتراجع نسبة ممارستها بشكل كبير جدًا، الأمر الذي يثير حاجتنا الحقيقية للبحث عن حلول متاحة وممكنة، تعيد لنا (كل حاجاتنا الجميلة)..
* تقول الحكاية إنه كان في غابر الزمان رجل عجوز، يعيش في مزرعة احتفظ فيها بعدد من القرود لخدمته، وكان أهالي قريته يسمونه “سيد القرود”.
* اعتاد العجوز جمع القردة كل صباح في ساحته ويأمر أكبرها بأن يقود نظراءه إلى الجبال لجمع وجني الفاكهة من أشجارها.
* سيد القرود ظل يفرض على قردته قاعدة أن يقدم كل قرد منهم عشر ما جمع إليه، وكان يعاقب كل قرد يتخلف عن ذلك بجلده دون رحمة.
* نال العنت من القرود نيلاً عظيماً، إلا أنها لم تجرؤ على الشكوى، وذات مساء سأل قرد صغير القرود الآخرين قائلاً: هل زرع سيدنا العجوز جميع أشجار الفاكهة هذه؟ فأجابوه، لا، إنها تنمو وحدها، ثم تساءل القرد الصغير: ألا نستطيع أن نأخذ الفاكهة من دون إذن من الرجل العجوز؟ فأجابوه: نعم نستطيع.
* عندها قال القرد الثائر الصغير: لماذا إذاً نعتمد على الرجل العجوز، لماذا علينا أن نخدمه؟ فهمت القردة جميعها ما يصبو إليه القرد الصغير حتى قبل أن ينهي جملته..
* عند حلول الظلام ذهب السيد العجوز إلى فراش نومه ولم يلبث أن نال منه السبات نيلاً عميقاً، عندها قامت القردة بتحطيم قضبان أقفاصها جميعاً، واستولت على الفاكهة التي كان العجوز قد خزنها توطئة لأخذها إلى الغابة. لم تعد القردة إلى العجوز بعد ذلك أبدًا، وفي النهاية مات العجوز جوعاً.
* تذكرت هذه القصة وأنا أعيد قراءة بعض من سيرة السياسي البريطاني المعروف ديفيد لويد جورج، الذي يعد من أشهر الساسة المحدثين باللعب والمناورة والنفاق؛ ولكنه نجح بالذي عمله، لا بالذي وعد به ونافق في إنجازه.
*تذكرت ذلك كله وأنا لا زلت أردد السؤال السهل وهو هل السياسيون منافقون؟ قطعًا الإجابة معروفة مسبقاً وهي أن نصيبهم من النفاق على قدر نصيب الشعوب التي يحكمونها من الجهل والغفلة وتقديم المصلحة الآنية على التي هي قادمة..!!!
* نعم هو معلوم أن النفاق، يعد صفة تقديرية تخضع لمقرَّرات العلم ومقاصد الأخلاق. إلا أن نفاق السياسيين غالباً ما يزين بلحن قول وجميل وعود كاذبة خاطئة لا يستطيع أحد منهم إنجاز ما تحدثت به شفتاه ولم يقره ضميره.
* عموماً قد يخطئ السياسي في تقدير النفع في سبيله المنتظر، لكنه، مع هذا الخطأ، خير من السياسي الذي لا يقدِّره ولا يطلبه ولا ينافق في سبيله.
*وفي النهاية لا يسعني سوى التذكير بأن الأخلاق إنما هي – كالأعمال – بالنيَّات! فمَن كان ينافق لينفع قومه، فلن يستوي هو ومن ينافق لينفع نفسه ويضر قومه!!.